حديث الجمعة 6/7/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، أيها الأخوة والأخوات، أيها الأبناء والبنات، سلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد: فقد قال الله تعالى ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)) المائدة آية 2.

سيكون انطلاقة حديثنا على ضوء هذه الآية المباركة ، وما أعظم هذه الآية، وما أكثر ضروة تطبيقها في حياة الأمة التي تنشد التقدم والرفعة، وتسعى نحو تحقيق أهداف الخير والبناء!! وما أعظم عناية الإسلام بهذه الجنبة كأساس لتكوين حياة اجتماعية سعيدة، ونشر روح المحبة بين أفراد الأمة، وجعلها صفاً واحداً، وبنياناً مرصوصاً لا تعمل فيه آلات المخربين والمفرقين من الأعداء على اختلاف أصنافهم. وواضح أن الآية المباركة في الوقت الذي دعت إلى التعاون بلغة آمرة في مسرح البر والتقوى، نهت بلغة صريحة عن التعاون في المسرح المقابل، وهو مسرح الإثم والعدوان.

ومن قرأ تأريخنا الإسلامي العظيم وجد أن هذه الجنبة (التعاون) التي صنعتها التربية النبوية أوّل مظهر من مظاهر المسلمين حينما هاجر الرسول (ص) وأصحابه من مكة إلى المدينة، فقد بذل الأنصار للمهاجرين ذات أيديهم، وأمدّوهم، وأنزلوهم في بيوتهم، وأعانوهم على كسبهم وتجارتهم. ولقد ارتفعت بهذا التعاون الفريد في بابه الوحشة عن المهاجرين القادمين من مكة، ولقد أراد الأنصار مشاطرة المهاجرين أموالهم، كسعد بن الربيع فإنه أراد أن يشاطر عبد الرحمن بن عوف أمواله فأبى عبد الرحمن ذلك. ولقد ارتفع التعاون بالمسلمين إلى درجة الإيثار، فلقد آثر الأنصار أخوانهم المهاجرين على أنفسهم، وقد سجل القرآن الكريم هذه الأريحية للأنصار، قال تعالى: ((والذين تبوئوا الدار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)).

والتعاون في الإسلام لا يقف عند حدود التعاون المادي الذي يتمثل في مدّ يد العون إلى المحتاج، وتفريج كربة المكروب وتأمين حاجة الفقير، بل يتصل بالجانب المعنوي المتمثل في التعليم، والإرشاد، والتوجيه، والنصيحة، والمشورة المخلصة، والنقد البناء، فقد قال الله تعالى: ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)). وقال الله تعالى: ((ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذاّ لآتيناهم من لدنّا أجراً عظيما ولهديناهم صراطاً مستقيما)) وقال تعالى: ((فبشر عبادِ * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)). أجل إن التعاون المعنوي المتمثل في كلمة خير تقدمها لأخيك المسلم، أو مسألة في علم أو تربية تقدمها إليه، أو نصيحة ترشده بها إلى الطريق الصحيح، أو نقدٍ يستهدف بناءه أو تخليصه من خطأ في القول أو الفكر أو السلوك. إن هذا التعاون لأمرٌ كبير في الميزان، وضروري في حياة الأمة، وقد قال الرسول الأعظم (ص): ((ما أهدى المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة تزيده هدى، أو تردّه عن ردى))، وقال (ص): ((نِعم العطية ونِعم الهدية كلمة حكمة تسمعها)).

ولي هنا كلمة أريد أن أقولها:

هناك بعض الانتقادات نسمعها ونقرؤها حول تصريحات وكلمات قِيلت هنا وهناك، أقول: إننا نؤيد الانتقاد البناء الهادف لتصحيح المسيرة، وتشخيص المصلحة، فلا يوجد أحد لا يخطئ إلا من عصم الله تعالى، كما أننا نؤيد الانتقاد الذاتي، فكل شخص وكل جماعة مطالبة أن تنتقد ذاتها، فقد جاء الحديث: ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا)).

أجل إن المحاسبة النفسية والاجتماعية قضية أساس في تحقيق الاتزان والانضباط السلوكي والعملي.

ولكن –أيها الأحبة- علينا الابتعاد عن الانتقادات التي يُهدف منها ويُراد بها تسجيل نقاط ضد هذا أو ذاك أو يُهدف منها ويُراد بها خلق معارك وهمية تهدم ولا تبني، وتفرّق ولا تجمع.

القلم والمنبر –أيها الأخوة والأبناء- أدوات وآليات ينبغي أن يُستخدما بصورة تحترم فكر القارئ والمستمع وتحقق مصلحة الوطن لا مصلحة الكاتب أو المتحدث وحده. والخطأ كل الخطأ أن يعتقد البعض أن القراء والمستمعين يصدقون كل ما يقرأون ويستمعون بلا تمييز ولا تدقيق. وأقول لإولئك الذين ينشغلون في هكذا أمور: أفضل لهم أن يبتعدوا عن هذه الأساليب التي ربما تعكس عن أزمة أولويات، وعن غياب الأهداف التي تغني المسيرة الإصلاحية.

أيها الأحبة: تحدثنا في الاسبوع الماضي عن الجمعيات واعتبرناها من الآليات الفاعلة في خدمة المجتمع، حيث بيّنا أن من فوائدها تجميع الطاقات والكفاءات.

واليوم نتحدث عن الفائدة الثانية وهي تكوين اللجان المتخصصة التي تنبثق من الجمعية الرئيسية. فالمشاكل تحتاج لرصدٍ وتتبُّع وتشخيص، ومن ثم اقتراح الحلول الناجحة، وهذه الأمور لا يمكن أن تُنجز بصورة فردية ارتجالية، وإنما تحتاج إلى فريق متخصص لا يطرح العموميات وإنما الأمثلة والمصاديق. فالقضايا الفقهية تحتاج لعالمٍ مطلع قدير، كما أن القضايا القانونية تحتاج لمحامٍ بارع وقانوني ماهر، أما الخلط والارتجال فلن ينتج إلا أشكالاً من التناقصات والفوضى.

كذلك يمكن الاستفادة من الطاقات المتخصصة في إقامة ندوات متخصصة محدودة بعدد من الأشخاص لمعالجة بعض الحاجات الرئيسة التي ربما لا يحتاج إليها العموم من الناس خصوصاً في الجوانب الإدارية. وفي هذا الإطار كذلك أوجّه ندائي إلى الإخوة المدرسين للاهتمام بأبنائنا الطلبة في طرح برامج صيفية لهم للاستفادة من العطلة بدل الفراغ الذي قد ينتج أموراً لا يرتضيها الجميع. سدد الله خطانا، ووفقنا للصواب، وجنّبنا التعثر والتخبّط وهو سبحانه الموفق والهادي للصواب. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.