حديث الجمعة 16/3/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فقد قال تعالى ((ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)) الحج 32. و"الشعائر" جمع الشعيرة والمراد: معالم وأحكام الدين وآدابه وسننه كما هو رأيُ تفسيريُ رآه البعض أرجح الآراء، حيث تَعتبر هذه الآية الكريمة أن الالتزام بأحكام السماء وتعظيمها يأتي مقدمةً لموضوع التقوى، ومؤشراً على حصول التقوى وتعظيم الشعائر: التزامهاً وتطبيقها، إذن فالتقوى هي تقوى القول والفعل. وعليه فالشعائر ليست هي الصلاة والصيام أقصد الواجبات فقط، بل تشمل كل أمرٍ فيه لله ذِكر، كل أمرٍ يرفع اسم الله ويرسخ تعاليمه وينشر دعوته. ولعل هذه الآية تدفعنا للحديث عن موضوعٍ مهم حيث أننا خلال الأيام القادمة القليلة نستقبل موسم عاشوراء ذكرى استشهاد سبط النبي (ص) أبي الأحرار الحسين بن علي (ع) في معركة كربلاء دفاعاً عن الحق والعدل في وجه الظلم والباطل والطغيان.

أيها الأخوة والأخوات، أيها الأبناء والبنات: في هذه الذكرى أود إثارة عدة قضايا أعتبرها مهمة تستحق البحث والنقد ومن ثم التطبيق والالتزام. فهذه الحركة التي قادها الحسين (ع) وقُتل هو وأنصارُه، وسُبيت نساؤه من أجل أهدافها، وحُمل رأسه الشريف على القنا، يُطاف به من بلدٍ إلى بلدٍ انتقاماً وتمثيلاً لم تكن لأي هدفٍ أياً كان، غير تحرير الأمة هذه الحركة أبداً لم تكن لأجل الكرسي أو الشهرة أو المال، وإنما كانت لأجل هدفٍ مقدس طرحه الحسين (ع) رائد الثوّار في البيان الأول لهذه الثورة بقوله: (( وإني لم أخرج أشراً ولا بطِراً ولا ظالماً ولا مفسدا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (ص) ، أريد أن أأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير في الناس بسيرة جدي محمد وأبي علي بن أبي طالب)). نعم قضية الإصلاح والتي هي قضية جميع الأنبياء والرسل والصالحين هي قضيته (ع). هذه القضية التي قد تضيق في بقعة وتتسع في أخرى أو تختلف في أسلوب هنا وتتشابه في آخر هناك ولكن يبقى الهدف على خط المسيرة البشرية ثابتاً عند الأنبياء والرسل والمصلحين.

إذن فالحسين (ع) لم يخرج لهدفٍ باطل ولا استخدم أسلوباً فاسداً، وإنما وجد نفسه أمام واقعٍ فاسدٍ " لزِم أهُله طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، واستأثروا بالفيء وعطّلوا الحدود ". فلم ينعزل أو يعتكف حفاظاً على نفسه، ولم يسكت أو يهادن حباً في الدنيا وملذاتها. وإنما اختار طريق الإصلاح في أمة جده رافضاً أن يعطي يده إعطاء الذليل أو يفِر إقرار العبيد. وهذا الخط ينبغي أن يسير عليه المصلحون ويهتدي بهديه المخلصون، طبعاً كُلٌ حسب ظرفه وواقعه فليست الشهادة أو التضحية بالنفس هي الأسلوب المطلوب دائماً لكل زمانٍ ومكان، فالأساليب كما قلنا تتغير ويبقى الإصلاح ركيزةً ثابتةً عند المصلحين. ولكن لا يمكن لأحدٍ أن يرفع شعار الإصلاح صادقاً ثم يتحرك على الأرض بأساليب شريرة تُفسد ولا تُصلح، تُفرّق ولا تُوحّد، فهذا تناقضٌ مرفوض. هذا هو الميزان... والسؤال الكبير الذي يبغي أن نطرحه على أنفسنا في هذه الذكرى: هل أن ما نقوم به من قولٍ أو فعل يصب في الإصلاح أو الإفساد؟ هل أن ما نقوم به شرعيٌ منطقي أم أي شيء؟ هذا الخطيب الذي يصعد على منبر الحسين (ع) هل هو يدعو للإصلاح أم للإفساد؟ هذا الموكب الحسيني الذي يطوف الشوارع هل هو يوحّد أو يفرّق؟

أيها الاخوة والأخوات أيها الأبناء والبنات: هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى وقفة: خذوا المؤسسات الحسينية مثالاً، في كل قرية كم عددها؟ ماذا تنفق وماذا تحقق من إصلاح على صعيد المجتمع؟ كم يمكن أن يكون لهذه المؤسسة دورٌ في الوحدة وفي كل ركنٍ مأتم وفي كل زاويةٍ مجلس عزاء؟!. هل يمكن أن تكون هذه المؤسسات إصلاحية والقائمون عليها مختلفون متنازعون ؟! التنوع والتنافس في الخير مطلوب، ولكن ليس على الزعامات والانقسامات. غير صحيحٍ أن نجلس في مأتمٍ يفرّق ولا يوحّد ثم نبكي فيه على إمامٍ قدّم نفسه وأهله وصحبه قرابين في سبيل الله من أجل الإصلاح. طبعاً لا أحد يدعو لهدم المؤسسات وإبقاء مؤسسة واحدةٍ بعينها ولكن ندعو للتنسيق والتشاور في جوٍ ودي بعيداً عن التشنج والعصبية. وحتى لا نعمِّم فهذه أمثلة نشاهدها في بعض القرى والمدن، وعلى المثقفين والمخلصين فيها أن يتحملوا مسئولياتهم من أجل الوحدة والإصلاح.

أيها الأخوة والأخوات، أيها الأبناء والبنات: وهنا يأتي دور الخطيب، فإذا كان هذا الخطيب مثقفاً واعياً محيطاً بقضايا أمته فلاشك سيكون له دور إيجابي في المشاركة في الإصلاح. أما إذا تم اختياره لأنه بكّاء أو ذو صوتٍ جميل ثم لا يهم ماذا يقول أو يطرح فهذه مصيبة!. المؤسف أن البعض يصعد المنبر بلا تحضير ويتحدث بأحاديث لم يتأكد من صحتها ولا سندها. والبعض يتحدث بطريقةٍ طائفية وكأن الحسين (ع) لا يمثل  إلا الشيعة والذين قتلوه هم سنة. هذه قضيةٌ خطيرة، فهذا الأسلوب أبداً لا يمكن أن نسميه إصلاحاً. لا يمكن أن نتقوقع في مآتمنا ونطرح ما يهاجم غيرنا ثم نطلب منهم أن ينفتحوا علينا. لابد من التصحيح والتنقيح والانفتاح على الآخرين، وهذه قضيةُ قد تحدّث الكثير من العلماء عنها، وأتصور أن الجميع ينبغي أن يقوم بدوره في هذه العملية فالعالم اليوم قريةٌ صغيرة، وأساليب الماضي ربما لا تصلح في هذا الزمان. إن علينا –أيها الأحبة- أن نأخذ من ذكرى الحسين (ع) درساً في ضرورة الوحدة، ومساوئ الفرقة، وعلينا أن نجعل مصلحة الأمة فوق كل اعتبار، فنلقي كل ما يمس هذه المصلحة وراء ظهورنا إذا كنا نحب أنفسنا وأمتنا، ونريد عزتنا وكرامتنا، ((وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)). (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)). وعلينا  أن نأخذ من ذكرى ا لحسين (ع) درساً في الإصلاح، إصلاح أنفسنا، الإصلاح الذي من أجله ثار وضحّى الحسين(ع). أقول: في هذه الذكرى العظيمة، لدينا رسالةٌ واضحة عنوانها (( الإصلاح ))، الإصلاح الفردي والجماعي، الإصلاح السياسي أو الاجتماعي. ولدينا مآتم ومواكب ومنابر كلها أدواتٌ وأساليب، ينبغي أن نستخدمها في تعميق الهدف وإيضاح الرسالة. فالرسالة تبقى ثابتة على مر العصور أما الأساليب والأدوات فتتغير بتغير الظروف والمناسبات –كما قلنا-.

أيها الأخوة والأخوات، أيها الأبناء والبنات: فالموكب الحسيني –مثلاً- أداة للتعبئة العاطفية وأسلوب للدعوة والإصلاح. لكنها في الحقيقة أيضاً تحتاج إلى تنظيمٍ وتوجيه. طبعاً أنا لا أتحدث عن التطبير هنا، فتلك مسألةٌ رفضها وحسمها فقهاؤنا العِظام، ولكني أتحدث عن الرسالة التي ينبغي أن ترسلها هذه المواكب إلى الناس، كل الناس بأسلوب حضاري عقلاني منطقي وشرعي. فإذا كان دور المنبر الحسيني محصوراً بين جدرانٍ أربعة فإن المواكب الحسينية تطوف القرى وتشق طريقها في المدن والأحياء. ما هي الرسالة التي تحملها إلى الناس المسلمين وغير المسلمين السنة والشيعة الرجال والنساء. أقول نريد: رسالةً تتحدث بلغة العصر يفهمها الجميع بعيداً عن الضوضاء. رسالةً توحّد ولا تفرّق، تُصلح ولا تُفسد، تبني ولا تهدم. وهنا يأتي دور العلماء والمثقفين والأدباء والشعراء رجالاً ونساءً.لا يصح أن نهتم بالشكل ونهمل المضمون، ولا يصح أن نهتم بالمظهر على حساب الجوهر. لابد أن يكون للمثقفين دورٌ فعال وصوتٌ مسموع. لماذا التردد والتراجع؟ لا يصح أن يترك المثقفون الساحة فارغةً ثم يجلسون ينتقدون وينظرون. شيء طبيعي إذا غاب العلماء والمثقفون حلّ محلهم من لا أهلية له لأن الساحة لا تُترك في فراغ. إدارات المآتم ولجان مواكب العزاء وخطباء المنابر ينبغي أن يكونوا من المثقفين والعلماء الذين يحملون هَمَ الإصلاح والبناء. الهَم الذي يجب أن يحمله الجميع. أقول ذلك لأن عملية الإصلاح عملية صعبة تحتاج للوقت والطاقات، ولا يمكن أن يتحملها أفراد محدودون، وأتصور أننا صرفنا الكثير الكثير في مجالاتٍ ضاعت فيها الأولويات وانشغل البعض في هوامش الأمور. نحن اليوم نعيش مرحلةً جديدة لها متطلباتها ولها انعكاساتها، ومطلوبٌ منّا أن نظهر للناس وللعالم بصورة نقيّة فيما نعتقد من فِكر ونحمل من وعي ونمارس من سلوك، وهذا لن يحدث إلا إذا اعتمدنا دور المؤسسات لا الأفراد، ووظفنا التخصص لا العموم. نعم تحتاج المسألة لوقتٍ، ولكن - دون الدخول في التفاصيل – على الأقل ملف الطائفة لا ينبغي أن يّترك دون عنايةٍ واهتمام، يتحمل ذلك العلماء والمثقفون الذين يوظفون جهودهم في خدمة هذا الدين الحنيف.

وفي ختام حديثي هذا لدي أمورٌ ثلاثة أرى أنه ينبغي التنبيه عليها:

الأمر الأول:

علِمنا أن الانتخابات البلدية قادمةٌ وقريبة، وعلِمنا بأن هناك لجنة تسن قانون الانتخابات، ولا نعلم شيئاً عن هذا القانون وهذه الانتخابات، وإني ألفت نظر القيادة السياسية وعلى رأسها سمو أمير البلاد –حفظه الله- إلى أن يكون هذا القانون مطابقاً للدستور وأن يُشرك الشعب في سنِه، مع ثقتي بأن هذا الأمر هو موضع اهتمام سموه.

الأمر الثاني:

إن قانون الجمعيات الذي صرّح سعادة وزير العمل باعتماده قد سُنَ في مرحلةٍ سابقة وفي غياب الدستور وفيه ما يتعارض مع حرية التفكير وحرية العمل كإلزامه بإطلاع الوزير على محاضر الجلسات وعلى ما يريد أن يقوله المتكلم قبل أن يُدلي به وإلى آخر ما هناك من أحكامٍ تتعارض مع حرية التفكير وتشلّ حركة العضو الذي يحمل المسئولية في أي جمعيةٍ من الجمعيات. وأملنا وطيد في أن يقوم سمو ولي العهد –حفظه الله- من خلال لجنة تفعيل الميثاق بتعديل هذا القانون بما ينسجم مع مقررات الدستور والميثاق.

الأمر الثالث:

لقد طال انتظارنا لصدور حكم محكمة لاهاي الدولية في ما يتعلق بالخلاف الحدودي مع الشقيقة قطر، وهانحن اليوم نتهيأ لسماع هذا الحكم لما تمثله جزر حوار من أهميةٍ استراتيجية لهذا البلد العزيز الصغير في حجمه وثرواته الطبيعية والكبير بكثافته السكانية وطموحات شعبه الكبيرة. إن هذه الجزر سوف تساهم ولاشك من خلال مخزونها النفطي والغازي في التنمية الاقتصادية التي تتطلع إليها البحرين قيادةً وشعباً لاسيما في مرحلة ما بعد الميثاق. لقد أعربنا في مناسباتٍ سابقةٍ عن رغبتنا الملحة في حلّ النزاع مع الأشقاء في إطار مجلس التعاون الخليجي على أرضيةٍ من الود والتفاهم المشترك، لذا نأمل أن لا يعكّر حكم المحكمة اليوم أياً كان مانتطلع إليه من أجواء الاحترام المتبادل مع الأشقاء حيث المصالح المشتركة والمصير المشترك والوشائج الأخوية والأسريّة.

والله ولي التوفيق، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.