حديث الجمعة 14/9/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين،وبعد:
فقد قال الله تعالى: ((ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)) فصلت:34، ((أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) النحل:125، (( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا)) الإسراء:53.
هذه النصوص الكريمة تبين المنهج القرآني في الحوار والطرح والدعوة إلى الإسلام، وإلى القضية الحقة وسيكون كلامنا إنطلاقاً من الآيات المباركة وعلى ضوئها.
أيها الأحبة:
وبعد أن عشنا ذكرى مولد الزهراء واسبوع هذا المولد العظيم، وأخذنا دروساً من مدرستها الكبرى، وفرّقنا من خلال ما عرضناه من سيرتها الطاهرة التي تمثل الإسلام، ومن خلال ما قامت به من حوار أن المرأة مكلفّة كالرجل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنها عنصر مسئول في المجتمع المسلم، عنصر يحاور، ويحتج، وينفتح، وينقد، ويقدم الرأي الصائب والمشورة المخلصة، ويصحّح، ويعارض، ويصلح، ومن خلال ذلك فرّقنا بين ما هو موروث من البيئة التي نعيشها، والتي نشأت بسبب ظروف اجتماعية وبين ما هو من صميم الدين، فلا يصح أن يُحمّل الدين تبعات تخلّف المرأة أو تقوقعها وإبعادها عن القيام بمسئولياتها الاجتماعية والسياسية والخلقية، فالدين قد ارتفع بها إلى أعلى المستويات.
ولنعد الآن إلى الآية الكريمة، فنقول: إنها تعلن بأننا لسنا مكلفين بأن نقول الكلمة الحسنة فحسب، بل نقول الكلمة التي هي أحسن، بمعنى أن نبحث عن الكلمة الأفضل والأحسن والأكثر مرونة ولطفاً وليناً فستعملها في محاوراتنا وخطابنا، وفي الجزء الثاني من الآية ((إن الشيطان ينزغ بينكم)) إيماءٌ إلى السر في الأمر بقول الكلمة التي هي أحسن، وهو إيصاد الباب أمام الشيطان، وإفشال خططه التي تتلخص في فصم العلاقة وإحداث الفرقة، والتباعد، وتعميق التنافر،إذن:
فالهدف هو الحفاظ على وحدة الأمة، ووحدة الصف.
وحتى في حالة كون المخاطب كافراً ونريد إرشاده إلى الإسلام، ونحاول إنقاذه من الكفر، فإن الأدب القرآني التي يلزمنا تطبيقه هو كما في قوله تعالى: ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)).
وهاهو صاحب الرسالة (ص) يخاطب قريشاً وهو يدعوهم إلى الله تعالى، وإلى الإيمان بالإسلام بكل ما في لغة الأدب والحكمة والحسن من معنى، حيث يقول –كما حكى الله عنه-: ((إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)).
وفي هذه الآية المباركة دليل واضح على أن الإسلام قد ربى أبناءه على الحوار الهادئ والموضوعي، والانفتاح على النظريات والأطروحات الأخرى، بعيداً عن النفسيات المعقدة، والتشنج، والعضلات، بحثاً عن الحقيقة المنشودة، والتي هي كما قال الشاعر:
إن الحقيقة بنت البحث والجدل من كان معترضاً في القول فليقل
وأود أن أطرح من واقعنا الأمثلة التالية للتحرز مما يأتي:
1) عدم خلط الأوراق وعدم الوضوح في الأهداف في فعالياتنا الثقافية فهذا يعطي صورة مشوشة عن أهدافنا وهويتنا. خذوا مثلاً المسيرة التي خرجت دعماً للقضية الفلسطينية والتي انطلقت من مسجد الفاتح، كانت الأهداف واضحة وهي تتلخص في دعم القضية الفلسطينية، فكان ينبغي أن تُوظف كل الشعارات والهتافات لتصب في مسار الهدف، لا أن تُطرح شعارات ليست لها صلة بالموضوع، خصوصاً تلك الشعارات التي ربما يُفهم منها أنها تخص جماعة دون أخرى، أو تعلن التأييد لفئة دون أخرى، فهذه ربما تفرق وتضعف صور التلاحم المطلوبة.
2)
وينبغي أن أشير هنا إلى أننا
علينا دائماً أن نركز على القواسم المشتركة في فعالياتنا العامة ليزداد التنسيق
بيننا وبين الأطراف العاملة الأخرى، وتكثر الفعاليات والمشاريع المشتركة.
وإننا نسمع أن هناك مهرجاناً لدعم القدس في منطقة النبيه صالح، ونسمع أيضاً عن
مسيرة ستقام لدعم القضية الفلسطينية، وهذه فعالياتٌ مطلوبة ولكن ينبغي أن يكون هناك
إعداد مسبق يضمن أن تتحقق الأهداف.
الانفجارات في أمريكا:
في البداية لابد أن أعبر عن رفضي للعمليات التي تستهدف المدنيين والأبرياء والتي لا تنسجم مع تعاليم ديننا الحنيف، ونأمل أن يتحقق السلام والعدل في جميع ربوع العالم بعيداً عن العنف والقتل والتشريد.
لكنني حول هذا الموضوع أريد أن أقف عند عدة نقاط:
1)
إن التحقيق لم يُستكمل بعد والخوف
أن تُستغل هذه الأحداث لتوجيه الاتهامات جزافاً من أجل تحقيق بعض الأغراض المبيتة
والتي لا علاقة لها أبداً بنتائج التحقيقات.
ولقد سمعنا عن قصصٍ مضحكة يروّجها الإعلام الصهيوني بقصد إلصاق التهمة بالعرب
والمسلمين وبالتالي تعميق الكره والحقد ضد الإسلام ومهاجمة الأماكن والمراكز
الإسلامية.
وهذا عمل مرفوض ينبغي أن يقوم الإعلام العربي بفضحه وتفنيده.
2)
إن أول من أراد أن يستفيد ويستثمر
تلك العمليات هي "إسرائيل"، فقد أرادت أن تصور نفسها بالضحية التي يستهدفها الإرهاب
كما استهدف أمريكا، ولذلك استغلت انشغال العالم بالحدث واقتحمت مدينة "جنين" وقتلت
في يوم واحد أكثر من عشرة شهداء.
والحقيقة التي ينبغي التركيز عليها دائماً هي أن إسرائيل هي سبب كل المشاكل التي
تعصف بالعالم.
3) بعد هذه العمليات فإن على الإدارة الأمريكية أن تعيد النظر في سياستها الخارجية ومعالجة الأسباب الرئيسية وراء رفض تلك السياسة التي تكيل بمكيالين ولا تفرق بين الضحية والجلاد، وأول تلك الأمور التي ينبغي عليها ان تعيد النظر فيها هي دعمها المطلق لإسرائيل في كل الميادين.
- فلا يصح أن توفر أمريكا الغطاء القانوني وتستخدم "الفيتو" في المحافل الدولية منعاً من أن يصدر أي قانون يدين إسرائيل، رغم ما تفعله من قتل وتشريد واغتيال واحتلال للأراضي الفلسطينية.
- ولا يصح أيضاً أن تسخر أمريكا كل أسلحتها من دبابات وصورايخ وطائرات وتسمح لإسرائيل باستخدامها ضد الشعب الأعزل في فلسطين.
- ولا يصح أن تنسحب أمريكا من مؤتمر "دُربان" فقط لأنه سيدين إسرائيل ويعتبرها شكلاً من أشكال التمييز العنصري.
هذه هي الأسباب الرئيسية وراء رفض السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية والتي ينبغي أن تعيد النظر فيها، وإلا فلا أحد يكره الشعب الأمريكي.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.