حديث الجمعة 20/ شوَّال/1422هـ - 4/1/2002م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) -القفول -المنامة
1-القوَّة البدنية،وقد تحدَّثَ عنها القرآن في هذه الآية ،وفي قوله تعالى-حكاية عن بنت شعيب(ع)-:{يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ} (القصص: 26).
2-القوَّة المعنوية،وتشمل القوَّة النفسية، وإليها الإشارة بقوله تعالى:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} (مريم: 1).
3-القوَّة المادّية،وتشمل السلاح والمال وأنواع القوى الإقتصادية،وإليها الإشارة بقوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}(لأنفال:60). ومرحلة الشباب التي وصفتها الآية المباركة بالقوَّة،هي مرحلة عنفوان الصحَّة، ومرحلة تكامل الطاقات، ومرحلة تكامل وتصاعد الغرائز الجنسية في الإنسان.وهي المرحلة التي يُخشى فيها على الإنسان أن ينزلق وينحدر ،وتجاوُزُها بسلام يعتمد على التربية الصحيحة، والأجواء الموجَّهة السليمة، والرعاية الجيِّدة، والنظافة البيتية والبيئية والإجتماعية.وقد عبَّر الرسول الأعظم (ص) عن هذه المرحلة بالجنون إذا لم تكن هناك ضوابط ترعاها وتضبطها، فقد مرَّ به(ص) رجل وهو جالس مع أصحابه، وهذا الرجل مصاب في عقله، فقال بعض الأصحاب مُشيراً إلى ذلك الرجل: مجنون،فقال(ص):بل هذا رجلٌ مصاب ،إنما المجنون عبداً أو أمة أبليا شبابهما في غير طاعة الله}.وقد جاء التعبير عن مرحلة الشباب بالجنون في كلام العرب وشِعْرِهم، وهو تعبير مجازي، قال زهير ابن أبي سُلمى-وهو من أصحاب المعلَّقات:
لمَّا رأتني سليمى صارفاً نظري عنها وفي العين من أمثالها زَوَرُ
ولا شكَّ أنَّ وقفتي حول موضوع الشباب جاءت للأسباب الآتية:
1-إنَّ جيل الشباب هو جيل المستقبل الذي تبلغ نسبته ما يقارب الثلثين من نسبة سكَّان المجتمع، وبالتالي فبناء مستقبل البلاد يقع على عاتق الشباب، فإذا تمَّ إهمال هذا القطاع وأُسقِطَ هذا الرقم من المعادلة وأقصد أنَّه أُبعِدَ من حسابات البرامج، فانظر كيف يكون شكل الجيل القادم؟!
2-إنَّ مشاكل هذا الجيل هي مشاكل مُعقَّدة وتحتاج للدراسة والتأنّي، وتحتاج لنوع من الأساليب غير التقليديَّة.
3-إنَّ الكفاءات المطلوبة للقيام بمسئولية الإهتمام بقطاع الشباب في الحقيقة وغير مُتوفِّرة بحجم المشكلة، وهذا بالطبع يزيد حجم الحاجة لمعالجة هذه القضية الحسَّاسة.
هذه الأمور مع بعض الإقتراحات التي وصلتني هي التي دفعتني لتخصيص عدَّة وقفات أو حلقات بعبارةٍ أُخرى في الأسابيع القادمة للحديث عن هذا الموضوع الهام.
وفي تصوُّري إنَّ الحديث في الحلقات القادمة سيتناول بعض الخطوط العريضة حول القسمين الآتيين:
القسم الأوَّل حول مشاكل الشباب،والتي تحتاج حقَّاً لتشخيص دقيق، فإنَّه مهما كان العلاج سليماً والدواء ناجعاً فإنَّه لن يُعطي مفعوله إذا كان المرض مجهولاً والمشكلة غير واضحة.
فجيل شباب الأمس هو غير شباب هذه الأيام، فالواقع غير الواقع، والطموح غير الطموح، فهناك مشاكل على مستوى الفكر والإعتقاد، وهناك مشاكل على مستوى السلوك.
أما القسم الثاني فسيتناول الأساليب المقترحة بما يتَّسِع له المقام، فالأساليب المطلوبة ينبغي أن تتوفَّر على عنصر المرونة والتجديد بما يتلائم مع الجيل الحالي الذي يملك انفتاحاً كبيراً، وأعداؤه قد سخَّروا كلَّ إمكانياتهم لجذبه وإبعاده عن دينه وقيمه الأصيلة.
من الرؤية للواقع: ولننتقل من هذه الرؤية الإسلامية إلى واقعنا في البحرين..فقد عُقِدَ المؤتمر الشبابي الأوَّل، قبل فترة في صالة شهرزاد، وكان حضوراً مباركاً جيِّداً رعاه عدد من الرموز في الساحة، وكان يُتوقَّع أن ينتُج عن هذا المؤتمر برنامجٌ شبابي لتدريب الطاقات على ممارسة الدور المطلوب في هذه المرحلة الهامَّة من حياة الأمَّة، ولكن للأسف لم نسمع شيئاً بعد هذا المؤتمر،أو ليس الأجدر بنا أن نشرع في إعداد وتنفيذ برنامج تأهيلي لاستيعاب طاقات الشباب وتدريبها على ممارسة دورها في الحملات الإنتخابيَّة؟ مثلاً: في تقييم المرشَّحين، في إدارة الحوار الوطني، في تطوير مهاراتهم الفنيَّة، لكي يتمكَّنوا من الإعتماد على أنفسهم اقتصادياً واجتماعياً، وبالتالي يكونون جزءً فاعلاً في المجتمع ،كما هو الدور المطلوب منهم؟!
أو ليس الأجدر بنا أن نُنشِّط الحركة الرياضية والثقافية، وأن نربّي شبابنا على الفهم العلمي لمتطلبات حياتنا المعقَّدة؟ إننا بحاجة إلى شباب مُتطوِّر ومُبدع يُساعد في دعم الحركة الإصلاحية، ويُساهم بصورةٍ مباشرةٍ في إثراء العمل السياسي والإجتماعي تحت مظلَّة الإتجاه الإسلامي،الذي يُؤكِّد على ضرورة تحقيق أقصى درجات الإنتاجية للطاقات الشبابية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.وإلى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد.