كلمة سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في احتفال قرية الماحوز ليلة الجمعة
28-2-2002م / 15ذي الحجة 1422هـ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه الميامين،والتابعين بإحسان إلى يوم الدين .
قال الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ} (المائدة: 3).
أيها الأحبَّة: معروفٌ لدينا جميعاً متى وأين نزلت الآية المباركة، وهو موضوع خارج عن دائرة الأخذ والرد فلا نزاع فيه، فالوقت هو يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجَّة الحرام العام العاشر من الهجرة.....والمكان هو: غدير خم، موضع بين مكة والمدينة بالجُحفة. والنزول كان مباشرة بعد فراغ الرسول الأكرم(ص) من خطاب الغدير الذي أعلن فيه على رؤوس جماهير المسلمين علي بن أبي طالب (ع) خليفة، وأمر الناس بمبايعته فبايعوه، وقال له كلُّ من أبي بكرٍ وعمر(رض) بخ بخ لك يا علي أصبحتََ مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، ولم يتفرَّق الناس حتى نزلت الآية المباركة.
قال الشاعر أبو تمام:
ويومَ
الغدير استوضح الحقّ أهله
*****
بضحياء لا
فيها غُبارٌ ولا سترُ
إذن فقصَّة
الغدير- أيها الأحبَّة- معروفة وثابتة، لا غبار عليها ولا كلام ولا جدال في
واقعيتها. فهي قصة تواتر حديثها، وتواصلت حلقات أسانيدها منذ عهد الصحابة والتابعين
إلى يومنا هذا، ولم يتَّفق لحديث من الأحاديث الإسلامية أو واقعة من الوقائع
الإسلامية مثل ما اتَّفقَ لقصة الغدير من تواتر... بقي الكلام كيف يجب أن نعيش
الغدير، وكيف نفعِّل رسالة الغدير، هذه الرسالة التي تلخِّصها الصديقة الزهراء(ع)
بقولها في خطبتها: { وإمامتنا أماناً من الفرقة}.
أيها الأحبَّة: إننا يجب أن ننطلق من رسالة الغدير وصاحب الغدير، ونتصرَّف على ضوء
نهجه، وتعاليمه، ومعاييره، إنَّ رسالة الغدير هي رسالة الوحدة، قال صاحب الغدير:{إنَّ
اجتماعكم فيما تكرهون من الحق خيرٌ من تفرِّقكم على ما تحبّون من الباطل}،
وقال (ع): {فإنَّ يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة
فإنَّ الشاذ من الناس للشيطان، كما أنَّ الشاذ من الغنم للذئب}.
صاحب الغدير(ع) في هذه الفقرات يتحدَّث عن وحدة الأمَّة وضرورتها، ويُبيِّن أن ذلك شرطٌ ضروريٌّ لاستقامتها وصمودها في وجه الأعاصير، فلن تُهزمَ في الصراع مع قوى الشر ما دامت معتصمةً بحبل الله، مؤمنة برسالتها، مستثمرة طاقاتها وإمكاناتها، موحِّدة كلمتها وموقفها، كما أنَّ التفرق بين أبناء الأمَّة هو هدف الأعداء الطامعين، ووسيلتهم المفضَّلة لتحقيق أهدافهم الخبيثة، لذلك فإنَّ الضرورة تقضي بوحدة الصف، وتجميع الجهود، وإذابة الخلافات الجانبية بينهم، والتنازل عن أي نزاع وأي اختلاف لصالح أهدافهم وأمَّتهم.
إنَّ أعظم مصدر للقوَّة هو وحدة الصف، وإنَّ أعظم مصدر للضعف هو التفرُّق. قال تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (لأنفال: 46).
إنَّ أعداء الإسلام لم ينجحوا بسلاح كسلاح التفرقة، فعلينا أن نكون يقظين إلى أي محاولة تفريق بأية لغة كانت، فهي ضد الإسلام، وضد الوطن، وضد المصلحة العامة، وعلينا أن نبحث عن خلفية أصحاب التفرقة ونحذرهم ونُحذِّر منهم.
إنَّ من وظائف يوم الغدير- أيها الإخوة- المؤاخاة بين المؤمنين، فلتآخَ في الله ، ولنتعاهد على السير في طاعة الله، والثبات في الموقف، والصمود في وجه الأعداء.
أيها الأحبَّة:إنَّ علاقتنا بالغدير ورسالة الغدير يجب أن لا تكون علاقة كلام وعواطف مجرَّدة، أو علاقة فكر لا ترجمة له،بل يجب أن تكون علاقةً حيَّةً نابضةً متحرِّكةً، إن رسالة الغدير لا تعيش في الكلام الفارغ، والمواقف السلبية... إنَّها تتحرَّك في موقف كلَّ أبيٍّ حرٍّ،وتتحرَّك في ثورة الشعب الصامد، وتتحرَّك في جبهات صراع الحق ضد الباطل، وحرب الإسلام مع الكفر،أجل إنَّها تعيش وتتحرَّك في صبرٍ وصمود المؤمنين في زنزاناتهم وتحت أقبية السجون، المعذَّبين بأيدي وسياط الجلاَّدين القذرين من أجل أنَّهم قالوا: ربُّنا الله، من أجل أنَّهم لم يبيعوا أوطانهم ولم يسقطوا في المستنقع مع من سقط، من أجل أنَّهم لم يستسلموا. إنَّها تعيش وتتحرَّك صانعةً الملاحم ومُسطِّرةً أعظم آيات الفداء والبل والصمود.....تعيش وتتحرَّك في ثورة وموقف الشعب الفلسطيني الصامد، هذا الشعب الذي أكَّد قدرته على إفشال أي تآمر ، وأي تسوية،وأية معادلة غير منطقية.
لا تقولوا ما لعليٍّ وفلسطين........ فلو كان بيننا اليوم لكان أول الضاربين بسيفه، فاسمعوه ماذا قال حين ورده خبر غزو جيش معاوية الأنبار، حيث كانوا يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينزعون حجلها!!
فخطب في الناس يستنهضهم للقتال ثم قال:{ فلو أن مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان عندي جديراً}.
فماذا سيقول عليٌّ حين يسمع ما يفعل جيش الصهاينة بفلسطين من هدمٍ للبيوت، وهتك للأعراض، وسفك للدماء بالدبابات والطائرات والمدافع!!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإلى أرواح الشهداء وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد