{آفاق العمل السياسي} الدكتور نزار البحارنة 04-09-2005م

  v تحرك تنموي بجانب سياسي

v   الشخصية الاقتصادية

v   تغير الممكن اللعبة السياسية والحق والباطل

v   الاعتماد على القدرات واستخدام المناخ

v   التنمية وفن الممكن وتوسيع الخيارات

v   الكتلة الحرجة وتغيرها

v   رؤيتنا المحلية الوطنية

v   مشروع ماكنزي

v   الهدف ليس المعارضة ولكنه النمو.

 

التحدي الحقيقي الذي يواجهنا ليس له علاقة بالمشاكل التي تواجهنا ، فالتحدي الحقيقي يكمن في داخلنا من خلال فلسفتنا ومن خلال تحليلنا لواقعنا ومن خلال رؤيتنا للحوادث والتغيرات، إنّها مسألة تتعلق بموقفنا نحن من الحياة ، وبموقفنا نحن من قضايا العصر.

 

فأمريكا على سبيل المثال تدافع عن مصالحها ، بالطريقة التي تراها وتلائهما ، استناداً إلى الفلسفة التي تلائمها . وقد لا نتفق مع فلسفتها ولكن يجب الاعتراف إنها ظهرت من خلال تجاربها في الحياة. وبالتالي فان هذه التجربة تنمر وتتطور وتتغير لا لتواكب متغيرات الحياة فحسب ، بل لتقودها بما يتلاءم مع الطريقة التي تنظر بها الحياة .

 

ولذلك فان التحدي الحقيقي الذي يوجهنا هو الوصول إلى رؤية عصرية جديدة لمسائل السياسة والاقتصاد لعلاقتنا بالمتغيرات . فنحن إما أن نتغير أو ننقرض. تلك هي المسألة . وذلك هو التحدي الحقيقي الذي يواجهنا جميعا . إننا نحتاج لتكوين رؤيتنا الواضحة والفعلية والتي تتماشى مع روح العصر والتغيرات الدولية وفي الوقت نفسه نابعة من خصوصيتنا الوطنية والجغرافية وأن تكون لنا إجاباتنا الخاصة على قضايا ومسائل الحياة ، إجابات تتصف بالمرونة والاتساع ، تنمو وتتطور وتتغير بحيث تستطيع أن تقيم علاقة قبول مع العالم مع الحفاظ على الهوية ، لا علاقة رفض ونبذ لكل ما يحتوي على فائدة ويساهم في بناء الثروة ولكل ما يؤدي إلى الرخاء والازدهار .

إننا  أمام تحديات حقيقية لعدم وجود رؤية حقيقية واقعية وذلك لعدم قدرة هذه الرؤية إلى تقديم إجابات وحلول لمسائل الحياة ، وبالتالي أصبحت هذه الرؤية وتحولت قليلاً فقليلاً من مشروع ايجابي لبناء المتغيرات إلى مشروع سلبي لمواجهة المتغيرات.

 

ونحن ، بدلاً من السعي للخروج من دائرة الانغلاق ، برؤية عقلانية جديدة لأنفسنا ولعلاقتنا مع الآخرين ، تساعدنا في إعادة تأسيس مشروع البناء الايجابي ، اكتفينا بالنظر إلى الماضي إلى علاقة هستيرية لنبذ الحاضر.

 

لقد آن الأوان لنبحث عن رؤية حضارية جديدة ، نفكر فيها ، ونخضعها للنقاش ، ونستنتج خلاصاتها استناداً إلى ما تقدمه لنا متغيرات الحياة من دلائل . رؤية تتحول إلى مشروع قبول وانتماء إلى العصر ، وليس إلى مشروع رفض ونبذ ، رؤية تنخرط وتتورط على نحو ايجابي مع كل متغيرات الحياة لبناء المستقبل ولدفعنا إلى الأمام ، لا رؤية تهرب بنا إلى الماضي لتحول علاقتنا مع الحياة إلى جحيم واسع النطاق .

وهذه مشكلتنا نحن.

لا أحد سوف يساعدنا على الخروج من هذا المأزق .فنحن إما أن نساعد أنفسنا أو ننقرض ، وإذا كان التخلف والضعف والفقر دليلاً كافياً ، فمن الواضح تماماً أنّ فلسفة العزلة والاكتفاء الذاتي فشلت تماماً في تقديم إجابات  عقلانية لمسائل ومتغيرات الحياة.فشلت تحديداً في أن تتحول إلى رؤية في السياسة والاقتصاد والاجتماع جديرة بمواكبة العصر.وما يزال الكثير من المنادين بالعزلة والانغلاق ينشغلون في الصيد في بحور نصوص القانون بحثاً عما يثبت قناعتهم المطلقة به، ومن أجل القول،ها،إن كل شيء مذكور هنا.

 

وبدلاً من السعي لإدخال الحياة في قالب القانون،يتعين علينا أن نكون إيجابيين بما يكفي لأن نتلاءم مع المتغيرات،على الأقل لنتيح لنفسنا الفرص لضبط إيقاعاتنا على قيمه ومعاييرنا الأخلاقية الخاص.رؤية تتخلى عن النظرة الضيقة،.كائنة ما كانت نظرة العالم إلينا،فمن الواضح هذه النظرة، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموقعنا الراهن في التاريخ.فنحن،فقراء اقتصادياً، وضعفاء استراتيجياً،ومتخلفون بالدرجة الأولي. وليس من الإنصاف أن نطالب العالم بنظرة أفضل ما لم نكن نحن أنفسنا أفضل. فكيف إذا انتهينا بالرد على استضعافهم واستصغارهم لنا بحلول هستيرية؟

 

وكائنة ما كانت الشتائم والانتقادات التي نتلقّاها من جرّاء أعمالنا الهستيرية، يجب أن نمتلك من الشجاعة ما يكفي لنعترف أنّنا نستحقّها كلّها، لأنّ آخر عنقودنا هذا، هو تعبير صارخ عن فشلنا السياسي وفشلنا الثقافي، ويقدّم الدليل القاطع على أنّنا بدأنا مسيرة الانقراض، وبالنسبة لعالم مشغول بتنمية ازدهاره ورخائه، فخير ما يفعله هو أن يدفعنا إلى الهاوية.

 

   هناك عدّة مشاكل يجب أن نجد لها حلاً لكي تتكوّن رؤيتنا الحقيقية:

·   المشكلة الأولى: هي ذلك التناقض بين ما يعتمل في رؤوسنا وبين واقعنا، فهناك فجوة حقيقية ما بين التزامنا بهويتنا في رؤوسنا وعقولنا، وما بين عالم دولتنا المحلية التي تمنحنا شهادات الميلاد وجوازات السفر والدعم في التعليم والصحّة، فنحن من ناحية جزء من هذا التكوين الصغير المسمّى بــ" الدولة الفطرية"، الذي لا نحترمه في الغالب، ومن ناحية أخرى نحن جزء من هذا الكائن المسمّى بــ" الأمة الإسلامية"، التي نفتخر بها...

·   المشكلة الثانية: هي مشكلة الاقتصاد والسياسة، ففي كافّة أنواع الدول في العالم، يغتني الفرد اقتصادياً وتكتفي حاجاته الشخصية، ثمّ بعد ذلك ينطلق الفرد من عالم الاقتصاد( الخدمة الخاصّة)، إلى عالم السياسة( الخدمة العامّة)،  هذا هو النموذج في معظم بلدان العالم، أما في عالمنا فالسياسة هي الخدمة الخاصّة، فنحن نذهب إلى السياسة( إلى العام). الوضع عندنا مقلوب، نذهب من السياسة إلى الاقتصاد، وليس من الاقتصاد إلى السياسة.

·       المشكلة الثالثة: هي النفاق السياسي.

·   المشكلة الرابعة: هي مشكلة المسئولية فنحن قوم لا نتحدّث بلغة مسئولة في حديثنا اليومي، فنحن قوم نقول" فاتني الباص" بينما يقول الآخرون" أنا الذي تأخّر عن موعد الباص"، فبينما يتحمّل الغربيون مسئولية التأخير نجد لغتنا اليومية تحمينا من تحمّل هذه المسئولية، القطار هو الذي فاتنا، لا ذنب لنا في كلّ ما يحدث لنا بسبب الخارج، القطار، وأميركا وإسرائيل والغرب.... إلخ.

·   المشكلة الخامسة: الشباب هم منْ سيحمل المشعل وهم قدرات المستقبل، وبالتالي فإنّي أنصحهم بالتحلّي بالقيم وأخلاقيات الإسلام العليا، بحيث يكون شباباً منتجاً محرّكاً لنهضة الأمّة وليعمل بجهد على تقوية طاقاته العلمية والمهنية، وأما عن دور الشباب في السياسة فنصيحتي لهم أنّ السياسة ليست نظرية سياسية فقط، وكذلك فلم تعد السياسة كالسابق محدّدة بالأمور الدستورية فقط، ولكنّها أصبحت في صميم الأعمال اليومية والمعيشية في حياة الأمة، وبالتالي فالثقافة والممارسة للعمليات اليومية واجبة، وأقصد هنا الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وعملية الممارسة تتطلّب الوقت والتحلّي بالصبر حتى تصبح الممارسة خبرة وذبك كلّه ضمن المنهج الإسلامي.

·   المشكلة السادسة: مشكلة الفكر السياسي الحالي أنّه مبني على التجارب السابقة في التعامل مع الحكومة ومع الشأن السياسي بصورة عامّة. والسياسة لم تصبح فن الممكن فقط وإنّما فن المتوقّع أيضاً، فالعالم السياسي القادم بفضل التحوّلات السياسية والاقتصادية نتيجة استحواذ الولايات المتحدة على سدّة الحكم العالمي قد تأثّر كثيراً بهذه التحوّلات، والعولمة لم تعد تغيّراً اقتصادياً فقط، وإنّما أضحت تحوّلات سياسية تتغيّر بصورة سريعة وتؤثِّر على العالم بأسره، الفكر السياسي الجديد سوف ينسف معظم النظريات السياسية القديمة وذلك من خلال عناصر جديدة لم تكن معروفة من قبل في اللعبة السياسية، فالعملية السياسية ليست محصورة بين الحكومة والشعب، وإنّما أصبحت جزءً من النسيج السياسي العالمي.

ولكي نخلق فكراً سياسياً حديثاً يجب أن نعي هذه التغيرات ونقوم بالإسقاطات المستقبلية في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لواقعنا السياسي مع لحاظ ما يلي باستمرار:

1.    تحديد وتوصيف دقيق للمشكلة..

2.  تحديد مفصل لكلّ الأطراف المشتركة في العملية السياسية، الداخلية والخارجية.

3.    الأهداف القريبة والبعيدة لهذه الأطراف.

4.    قوّة هذه الأطراف وما هي موازين القوى بينهم.

5.  المناخ المحيط محلياً، إقليمياً ودولياً ومدى الاهتمام العالمي الإعلامي ودرجة الاهتمام.

 ضرورة العمل على إعادة ترتيب أحوالنا، وتحديث هياكلنا، ومؤسساتنا، وتجديد ثقافتنا، وأفكارنا للتعامل مع التغييرات العالمية وتحولاتها وتحدياتها، والتسلّح في ذلك بأدوات ومفردات تحليلية جديدة، وبعقلية منفتحة على الحضارات الإنسانية وبما يسمح بالتالي من الاستفادة من المكاسب الحضارية وتهذيبها، وفق روح الإسلام وقيمه الكبرى، بتجاوز سلبيات الحداثة الغربية، واستيعاب عناصر التقدّم الإنساني، وبعبارةٍ أدق الانفتاح على الحضارة الحديثة دون تقليدها والذوبان فيها وعليه، فإنّ تجديد رؤيتنا وفهمنا لهذه التحوّلات هو سبيلنا لتجاوز حالة الشعور بالعجز وانعدام القدرة أمام التحوّلات الهائلة التي تجري في العالم على مختلف الأصعدة والمستويات.