منصور الجمري: التعددية ضرورة حياتية للمسلمين للنهوض من جديد

بني جمرة - علي نجيب

استضاف مجلس العلامة الشيخ عبدالأمير الجمري (رحمه الله) رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري، في لقاء استعرض رؤاه بشأن مؤلفه الصادر حديثاً «مداخلات في الفكر والسياسة»، الذي تناول فيه عدداً من التوجهات الفكرية داخل الوسط الإسلامي، وهو ما ذكره خلال تلك الجلسة، التي استفاض فيها بشرح الظروف التي تكونت فيها مادة الإصدار.

 

الجمري في بداية الحديث ذكر أن مادة الكتاب بدأت تتشكل في العام 1998، وذلك حينما نشطت المجموعات السياسية البحرينية في الخارج وكانت هناك الكثير من الأسئلة المتكررة للتعرف على وجهات نظرها في مجمل القضايا، التي كانت تشمل دخول غير الإسلاميين في البرلمان وصوت المرأة، ومدى قدرة المعارضة على تحقيق العدل إذا ما أمسكت مناصب قيادية في الحكم؛ ولذلك نشأت نتيجة لكثرة الأسئلة المطروحة خلال تلك الفترة عدد من المداخلات والأجوبة. وعقدت ورش عمل لطرح تلك الأسئلة والأفكار لتخرج هذه المداخلات في صورة أفكار متسلسلة.

 

وكان الجمري قد نشر مجموعة المداخلات المجمعة عبر الورش على الانترنت وبعضها نشر في دوريات وصحف لندنية، ثم أعاد نشرها في صحيفة «الوسط»، وأخيراً أخرجها في صورة منقحة.

 

يعرّف الجمري مدخل الكتاب بالقول «الفصول الأولى هي تعريفات ومصطلحات سياسية لكي تكون مرتكزاً لباقي الحوار، إذ إن الكثير ممن يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمحاسبة والثورة يجهلون في بعض الأحيان أساسيات هذه المصطلحات، فكانت البداية هي في توحيد المصطلحات لتوحيد لغة الحوار، وقد استخدمت رسومات لتوضيح وتعريف القارئ بما أسعى إلى توضيحه من أفكار».

 

ويسهب في شرح مادة الكتاب فيقول «من خلال البحث، وجدت أن الحركات الإسلامية تنقسم إلى ثلاثة اتجاهات، كان أولها اتجاه «تطبيق الشريعة» وتصدر الأخوان المسلمون هذا التوجه، هادفاً إلى إعادة الأمة إلى صدر الإسلام» مضيفاً بالقول «وجد هذا الاتجاه وجوب تطبيق الشريعة في أي مكان وبصورة تدريجية، لإثبات أن الشريعة قادرة على معالجة المشكلات، وكانت النسخة الشيعية المقابلة للإخوان المسلمين هي حزب الدعوة الإسلامية، وكلاهما يريدان تطبيق أحكام الشريعة، وأخذ كلاهما منحى إقامة تنظيمات حزبية هرمية وتطبيقها في المجتمع، وهي فكرة تنبع في الأساس من الفكر الماركسي اللينيني، إذ دعا حزب الدعوة إلى عودة المجتمع إلى الإسلام ووجوب الانتماء إلى الحزب لإعادة المجتمع تدريجياً إلى صورته الصحيحة، فكان الحزب مقدمة الواجب».

 

ووجد الجمري أن هذا الفكر أثر في كثير من الأمور بشكل إيجابي، إذ كانت أبرز نتائجه تطبيق الفكرة في مجالات ناجحة كالمصارف الإسلامية، عبر إيجاد مؤسسات مالية بعيدة عن المعاملات الربوية، إذ كانت بداية هذه المصارف بهذه الطريقة، وكانت نتائج هذا التوجه وأهم نجاحاته في مجال العمل المصرفي، إلى جانب نجاحه في تقديم الإغاثات والمعونات ودعم المحتاجين في دول العالم كما يرى الجمري.

 

وعن التوجه الثاني يذكر قائلاً «التوجه الثاني نشأ من أفكار وكتابات أبو الأعلى المودودي وسيد قطب والإمام الخميني، مفاده أن المجتمع يحتاج إلى تطبيق «الحاكمية»، فالحكم لله، ويجب أن يكون هناك شخص مركزي ينفذ حكم الله ويجب أن لا يكون هناك خلط بين المجتمع الجاهلي والمجتمع الإسلامي. أو بين حزب الله وحزب الشيطان. وقد أسس هذا الفكر أبو الأعلى المودودي، ومن بعده سيد قطب، فطرح كلاهما مفهوم الحاكمية، إذ ذكر سيد قطب في كتاب معالم في الطريق أن مفاصلة بين الإسلام والجاهلية، ولا سواهما، ويجب الانتقال من الجاهلية إلى الإسلام» مضيفاً «السيد علي خامنائي ترجم كتب سيد قطب واستقصى منها الأفكار ذاتها، والإمام الخميني طرح أفكاراً مماثلة، وجعلها مرتبطة بالفقيه الأعلم، لكن تبقى الأفكار نفسها، فولاية الفقيه هي مرادف للحاكمية».

 

أما عن الاتجاه الثالث فهو الاتجاه «التعددي» القائم على مفاهيم الاستخلاف، والالتزام بالعهود والعقود، والاعتراف بحقوق الإنسان التي أنتجتها مدرسة القانون الطبيعي (القريبة من مفهوم الفطر في الإسلام). ويذكر أن «الإسلام يمكن أن يحتوي العصر ، وأن يؤسلم ويشارك في تطوير كل ما هو نتاج للعصرنة، وهو مبني على أساس التعايش مع الآخر. وكان من أوائل من طرح مثل هذه الأفكار محمد عبده، الذي سعى إلى المقاربة مع التوجهات القومية والوطنية بأن هذه التوجهات جزء من الإسلام والتوجه الإسلامي، حتى أنه قارب بين الشورى والديمقراطية العصرية، إلا أن المجتمع لم يتقبل الفكر التعددي، متأثراً بأن النخب الليبرالية التي كانت تدفع بالأفكار نفسها كانت تتشكل من أحزاب «عميلة» أو انها مرتبطة بالمستعمر، إذ أدت إخفاقات هذا التوجه إلى حسم التوجه نحو الفكر الاصولي.

 

الجمري وجد أن التوجه التعددي الذي كان يجد أن جميع المفاهيم هناك لها جذور إسلامية ويمكن فهمها وترجمتها منتشرة، والمكتبات مليئة بالكتب التي تعزز هذه النظرية، لكنه وجده توجهاً نخبوياً لا علاقة له بالمسجد ولا يوجد خطيب يؤصل له ويدفع بخطبه الناس نحوه.

 

واختتم الجمري حديثه بالقول «الإسلام لا يمنع المشاركة مع العصر. العالم الإسلامي غائب عن المنظمات العالمية والمجتمع الدولي، وليس له حضور سوى في طرح قضية الإرهاب أو النفط. رفضنا للواقع جعلنا خارج السياق العام. يجب أن نتجاوز خوفنا من العصر الحديث، الخوف من المستعمر والقوى النافذة في المجتمع، فإذا استمررنا في الخوف والرعب، سنتراجع إلى الخلف مجدداً، وقد لا تكون هناك نهضة إسلامية حضارية في أوطاننا، وانما ردود أفعال تنتهي إلى الانطواء على الذات أو الخوف من الآخر أو النزوع نحو الارهاب والتطرف ورفض التعايش مع الآخر، حتى لو كان الآخر مسلماً يشهد بوحدانية الخالق ورسالة محمد (ص)».

 

 

 

هذا المقال من صحيفة الوسط

http://www.alwasatnews.com