|
متحدثاً عن "حياة الشهيد الصدر" في مجلس الجمري
العريبي: ابتلينا في البحرين بظاهرتي "التدين السياسي" و"الوراثة في العبادة"
15-4-2005م
بني جمرة حيدر محمد
حذر الباحث الديني والاجتماعي علي العريبي من تنامي ظاهرة "التدين السياسي" و"الوراثة في العبادة" في البحرين. وقال العريبي: "إن حال الوراثة في العبادة التي ابتلينا بها في البحرين خطيرة جدا، فقد تقع المجتمعات فريسة من الفرائس باسم الدين، فيأتي من يدعو إلى خلاص المجتمع من أمراضه، ولكن لأغراض في نفس يعقوب".
وأضاف العريبي "يجب ألا يطوع الدين لخدمة السياسة. فظاهرة التدين السياسي بحاجة إلى نقاش طويل، وفي ضوئها يجب أن نعيد النظر في بعض الأنشطة". جاء ذلك في الندوة التي ألقاها العريبي في مجلس الشيخ الجمري "الاثنين" الماضي عن حياة الشهيد السيد محمد باقر الصدر بمناسبة مرور ربع قرن على استشهاده.
وتناول الباحث علي العريبي البعد الأخلاقي في حياة المفكر السيد محمد باقر الصدر قائلا: "حينما يذكر الشهيد الصدر لا يستطيع العقل إلا أن ينحني إجلالا لإبداعاته الفكرية، وربما تكون هذه الصورة هي أول ما يطالعنا حينما يطل علينا اسم الشهيد، أما الجانب الآخر فهي المأساة التي ختمت بها حياته الشريفة، فالصدر يعتبر من القمم الشامخة في الإبداع الفكري المعاصر على الفكر الإنساني، وإبداعاته طالت الفكر بكل امتداداته "..."، إنه يملك نبوغا مبكرا، وانحدر من عائلتين علميتين، فوالده فقيه مرموق وكذلك أخوه، فهو مفكر شمولي، وصاحب مدرسة في الأصول، وهو فيلسوف تناول أهم معالم الفلسفة وخصوصا في نظرية المعرفة التي أبدع فيها كثيرا، وكذلك في موضوع التفكير والمنطق وفي موضوعات شتى".
وركز العريبي كثيرا على تلازم العلم والعمل في سيرة الشهيد الصدر، فقال: "إن كل ذلك لا يقل أهمية وعظمة عن إنجاز الشهيد الصدر على المستوى الشخصي السلوكي، فلماذا ننظر إلى العالم ونقيمه من حيث ما اكتسبه من علم ومعرفة فقط؟ ولماذا لا ننظر إلى الشق الآخر من الأمر؟ فهل هذا الفكر يعيش انسجاما مع حياة هذا الإنسان، أم أنه مجرد تنظير وحسب؟ ففي أدبياتنا الفقهية نركز دائما على العلم والعمل، فلا قيمه للعالم كإمام وقدوة إذا انفصل عمله عن علمه، ولا نستطيع أن نتخذه قدوة لأنه يبني مجتمعا صادقا، وهذا النموذج من أروع النماذج التي يمكن أن تقدم للعالم، وقد جسد هذا الرجل أخلاق الأنبياء".
ورأى العريبي أن الشهيد الصدر أبدع كثيرا في المضمار الأخلاقي، وصناعة العالم القدوة لغيره "فالناس عندما ترى التزام العالم بعلمه حينها تثق في فكره، ولذلك ركز الشهيد الصدر على هذا الجانب، فلقد كان يتحدث إلى العلماء ويوصيهم بأن يرتبطوا بالله، لأنهم الأدلاء على الله، والعالم لا يكون شاخصا إلى الله إلا إذا التزم بما يعلم، ولاسيما حينما يمر المجتمع باضطرابات سياسية، ففي مثل هذه الظروف يجب أن نركز على العنصر الأخلاقي، وحتى لا يقع المجتمع فريسة من الفرائس باسم الدين، فيأتي من يدعو إلى خلاص المجتمع ولكن لأغراض في نفس يعقوب"، مستشهدا بأحد أقوال الشهيد الصدر عن حاجة العلماء إلى الجانب الأخلاقي "يؤكد الشهيد الصدر أن العالم إذا انكب على الفقه والأصول فقط فسيمتلئ عقله علما، ولكن وجدانه فارغ".
ووقف العريبي على بعض المصاديق الأخلاقية من حياة الشهيد الصدر بقوله "لم ألق من أخلاقياته سوى الإخلاص أو ما يسميه بالمثل الأعلى الذي تحتاجه المجتمعات لرقيها، إذ كان يأمر أصحابه بالذوبان في الله، حينما قال لهم ذات يوم "اجعلوا من كل شيء نافذة تطلون منها على الله"، فلا يجب أن نرتبط بالله في الصلاة فقط، وإنما كل شيء يجب أن يكون مذكورا، وهذه حال راقية من العشق العرفاني".
واستدل الشيخ العريبي على موقف من أخلاقيات المفكر الراحل "لقد أشخص الشهيد الصدر ببصره إلى خارج منزله يوم كان تحت الإقامة الجبرية، فوجد الشرطة الذين يطوقون منزله يتصببون عرقاً، فأخذ يكثر من الحوقلة، وبدت عليه علامات الحزن والتأثر، وأمر تلميذه أن يسقيهم الماء، فقال له "سيدي، هؤلاء جاءوا للتضييق عليك"، فرد الصدر قائلا "أنت وغيرك من الذين توضع هذه العمامة على رؤوسهم يجب أن تنظروا إلى الأمور من منظار آخر، فهؤلاء الجنود قست الظروف عليهم" "..." وكان رحمه الله يلتمس العذر لشاتميه. حتى داخل الوسط العلمي كانت الحال العدائية ضده كبيرة جدا، ولكنه كان يتعامل معهم بأخلاقيات الرحمة والتسامح".
وخلص العريبي إلى القول "هناك أيضا درس جميل جدا وهو أن الشهيد الصدر لم يستغل الموقع الديني لبناء مجد لحياته الشخصية أو العائلية، فلا نريد أن نربي الأمة على هذه الذهنية التي ابتلينا بها"، مشددا على سمة عظيمة من خصائص الشهيد الصدر بقوله "لقد كان يشتاق إلى الشهادة ويبحث عنها".