دعا إلى تعويض سجناء الرأي... الوزير السابق حسين البحارنة:

لا مناص من التضامن والحوار بشأن المطلب الدستوري

بني جمرة - حسين خلف

أعرب وزير الشئون القانونية ومستشار الدولة السابق حسين محمد البحارنة عن أمله في أن تواصل جمعيات التحالف الرباعي المقاطعة للانتخابات البرلمانية الأخيرة الحوار مع وزير العمل مجيد العلوي، وقال البحارنة خلال ندوة له أمس الأول في مجلس الشيخ عبدالأمير الجمري "إن سبيل الخروج من هذا المأزق هو تضامن القوى الشعبية بشأن المطلب الدستوري، وأعتقد أنه لا مناص من الحوار ما دامت الحكومة قبلت بهذا المنحى"، وطالب "بإنصاف كل الموقوفين والمتهمين والمحكوم عليهم في السابق من السياسيين وسجناء الرأي الذين أطلق سراحهم، وذلك بتعويضهم وعوائلهم عن السنوات التي قضوها في السجن تعويضا مجزيا وشاملا من قبل الحكومة التي تعتبر مسئولة مدنيا مسئولية مباشرة عن إيقافهم وسجنهم لسنين طويلة من حياتهم وفقا لأحكام قانون أمن الدولة لسنة 1974 غير الدستوري والذي لا تتوفر فيه أدنى عدالة".

ابتدأ البحارنة الذي يشغل الآن عضوية لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة كعضو منتخب، قوله بأن "التاريخ السياسي للبحرين مرتبط بالتاريخ السياسي للامارات العربية الأخرى المجاورة وذلك نتيجة لبسط النفوذ السياسي البريطاني على منطقة الخليج".

وعلل البحارنة أسباب تزايد النفوذ السياسي البريطاني في الخليج بأنه جاء "بحجة أن بواخر شركة الهند الشرقية التي كانت تحكم القارة الهندية آنذاك كانت تتعرض لهجمات مسلحة من قبائل القواسم المتحصنة في رؤوس الجبال في الساحل العماني، ولهذا أقدمت بريطانيا على عقد سلسلة من الاتفاقات البحرية بين سنة 1806 و1853 مع حكام إمارات ساحل عمان".

وأوضح البحارنة أن بريطانيا عقدت سلسلة اتفاقات أمنية وسياسية واقتصادية مع إمارات الخليج ومن ضمنها البحرين، مشيرا إلى أن "القيود والالتزامات التي وضعتها بريطانيا على أنظمة الحكم في دول الخليج سلبت من هذه الأنظمة ممارسة حقوق السيادة في الشئون الخارجية تلك الحقوق التي هي عنصر أساسي لاستقلال الدولة في مفهوم القانون الدولي". 

الوضع في البحرين

وتطرق البحارنة بعدها إلى الوضع البحريني آنذاك مشيرا إلى "عاملين ساعدا وهيآ لاستقلال البحرين، قرار الحكومة البريطانية الانسحاب العسكري الكامل من شرق السويس بنهاية ديسمبر/ كانون الأول من العام ،1971 وهذا يعني الانسحاب البريطاني العسكري من الخليج أيضا. ومن جهة أخرى، كانت هناك مطالبة شاه إيران بضم البحرين إلى إيران إذا ما أعلن استقلالها عن بريطانيا من دون التوصل إلى حل سلمي بشأن هذه المطالبة".

واضاف "أما ما يتعلق بمطالبة شاه إيران بالسيادة على البحرين، فانه يمكن القول انه نتيجة لإعلان شاه إيران في مؤتمر عقده في مدينة دلهي الجديدة - أثناء زيارته الرسمية للهند بتاريخ 4 يناير/ كانون الثاني 1969 - عن رغبته في التوصل إلى حل سلمي مع بريطانيا بشان مطالبه الإقليمية التاريخية بإقليم البحرين، فقد عقدت محادثات مكثفة سرية بين وفد بحريني رفيع المستوى "وكان البحارنة احد أعضاء هذا الوفد" وممثلين إيرانيين معتمدين من الشاه في كل من جنيف ولندن بين سنتي 1969 و1970 من اجل التوصل إلى طريقة لحل القضية عن طريق الوساطة الحميدة لأمين عام الأمم المتحدة آنذاك أوثنت التايلندي الجنسية الذي عين بدوره مدير عام مكتب الأمم المتحدة المستر وينسبير الإيطالي الجنسية ممثلا شخصيا له للقيام بهذه المهمة. وقد عهد إلى هذا الممثل الشخصي بالذهاب مع فريقه "المسمى بلجنة تقصي الحقائق" إلى البحرين لاستفتاء الشعب بشأن المطالبة الإيرانية، الأمر الذي رفض من قبل البحرين، فلجأ إلى أخذ قرار ممثلين عن مجالس إدارة الأندية الثقافية والاجتماعية والرياضية وجمعيات المجتمع المدني عموما وأخذ آراء هؤلاء الممثلين لهذه المؤسسات وغيرهم من بعض المجالس الحكومية، فيما يتعلق بمعرفة آراء هؤلاء الممثلين لهذه المؤسسات وغيرهم من بعض المجالس الحكومية، فيما يتعلق بمعرفة آرائهم بشان مستقبل البحرين السياسي".

"وكان الاستنتاج النهائي في هذا التقرير يؤكد قناعة الممثل الشخصي وينسبير بأن الغالبية الساحقة لشعب البحرين ترغب في أن تنال الاعتراف بذاتيتها ضمن دولة مستقلة ذات سيادة تامة، وحرة في أن تقرر بنفسها علاقتها مع الدول الأخرى، وذلك في الوقت الذي حددت الغالبية العظمى منهم رغبتها في أن تكون البحرين دولة عربية مستقلة ذات سيادة، وبتاريخ 11 مايو/ أيار 1970 صدق مجلس الأمن على تقرير الممثل الشخصي للأمين العام بإجماع آراء أعضاء المجلس وعددهم 15 عضوا. وبذلك، تغلبت البحرين على أزمتها السياسية مع إيران وأنهت هذا الخلاف عن طريق المفاوضات وبطريقة سليمة". 

الوضع الداخلي قبل الاستقلال

وشرح البحارنة الوضع الداخلي للبحرين قبل الاستقلال، مشيرا إلى أن "البحرين كانت تدار منذ العام 1956 إلى 1969 بواسطة مجلس سمي بالمجلس الإداري كان هو ثمرة الإصلاح المتواضع الذي كانت الحكومة مستعدة لقبوله كبديل للإصلاحات التي كانت تطالب بها في بداية الخمسينات هيئة الاتحاد الوطني، إذ تمخضت مطالب الهيئة بشان إنشاء مجلس تمثيلي للشعب وإصلاح الجهاز الإداري والمحاكم، عن موافقة الحكومة المتواضعة قيما بعد على مجرد إنشاء مجلسين معينين أحدهما للتعليم والآخر للصحة. وكان المجلسان المعينان يضمان في عضويتهما أكثرية من المسئولين الحكوميين من رؤساء الدوائر الحكومية وأقلية من التجار ورجال الأعمال. كما استبدلت إدارة المستشارية بعد تقاعد المستشار بلجريف في سنة ،1956 بدائرة السكرتارية برئاسة سكرتير الحكومة آنذاك المستر سميث الذي كان مديرا للجمارك، وفي يناير/ كانون الثاني 1970م صدر مرسوم مجلس سمي بمجلس الدولة، وقد ركز هذا المرسوم اختصاصات نحو 22 دائرة حكومية كانت تدار من قبل المجلس الإداري في 11 دائرة حكومية فقط. وكان مجلس الدولة في الحقيقة مجلسا للوزراء، فقد منح مجلس الدولة اختصاصات إدارية تنفيذية وتشريعية". 

مرحلة الاستقلال وولادة دستور 1973

وقال البحارنة: "لقد تم في صبيحة يوم 14 أغسطس/آب 1971م التوقيع الرسمي بدار الحكومة بين حاكم البحرين والمقيم البريطاني في الخليج المستر جيفري آرثر على وثائق إنهاء نهائي لاتفاقات ،1888 ،1861 1892 والاتفاقات الأخرى المتعلقة بها التي أوجدت نظام الحماية البريطانية على البحرين خلال نحو 110 سنوات، ثم تبع هذا الإعلان، قيام الدولة المستقلة في البحرين. فقد أعلن استبدال تسمية حكومة البحرين بتسمية دولة البحرين واستبدال لقب حاكم البحرين وتوابعها بلقب أمير دولة البحرين".

وأشار البحارنة إلى أن أمير البحرين آنذاك "أعلن في بيان بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني في تاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول ،1971 للشعب عن رغبته بتكليف مجلس الوزراء بوضع مشروع دستور حديث متطور للبلاد، وتنفيذا لهذا البيان فقد عين الأمير لجنة تحضيرية من أربعة وزراء "كان من بينهم حسين البحارنة"، كلفها بإعداد مسودة للدستور الجديد، بمساعدة الخبير الدستوري لمجلس الأمة الكويتي عثمان خليل عثمان، وبعدها أصدر الأمير المرسوم بقانون رقم "12" لسنة 1972 بشان إنشاء مجلس تأسيسي لأعداد دستور للدولة، والمرسوم بقانون "13" لسنة 1972 بشأن أحكام الانتخاب للمجلس التأسيسي، ولغرض الانتخاب الخاص بالمجلس التأسيسي قسم إقليم البحرين إلى ثماني مناطق انتخابية هي: المنامة، وجزيرة المحرق، والمنطقة الشمالية، والمنطقة الغربية، والمنطقة الوسطى، والمنطقة الجنوبية، والرفاع، وسترة. وتنتخب المنامة ثمانية أعضاء، وجزيرة المحرق ستة أعضاء، وكل من المنطقة الشمالية والوسطى اثنين، وتنتخب كل واحدة من المناطق الأخرى عضوا واحدا. و في اليوم الأول من ديسمبر/ كانون الأول انتخب شعب البحرين 22 عضوا للمجلس التأسيسي، وبتاريخ 9 ديسمبر 1972 أصدر الأمير مرسومين: الأول يقضي بتعيين 8 مواطنين من التجار ورجال الأعمال في المجلس التأسيسي، بالإضافة إلى 12 وزيرا كأعضاء بحكم مناصبهم، وأصبح عدد الأعضاء المعينين في المجلس 20 مقابل 22 عضوا منتخبا. أما المرسوم الثاني فقد دعا المجلس التأسيسي للانعقاد بيوم 16 ديسمبر ،1972 ولقد انتهى المجلس التأسيسي من مراجعة وتعديل مسودة الدستور في 26 مايو .1973 وقد تليت مواد الدستور، بعد إدخال بعض التعديلات عليها، مادة مادة في جلسة ختامية خاصة في 9 يونيو/ حزيران 1973 اقر خلالها مشروع الدستور المعدل بالإجماع، وقد اقر الأمير مشروع الدستور وصدق عليه، من دون إبداء أية تحفظات، بتاريخ 6 ديسمبر/ 1973".

وعلق البحارنة قائلا: "هذه هي الطريقة الديمقراطية الصحيحة التي اعد بموجبها دستور سنة 1973 الذي يسمو بتسميته دستورا عقديا".

واشار البحارنة الى بدء اعمال المجلس الوطني آنذاك، مشددا على أن "المجلس الوطني فوجئ باستعجال الحكومة في إصدار المرسوم بقانون بشان تدابير امن الدولة بتاريخ 22 أكتوبر 1974 أثناء عطلة المجلس وذلك من دون عرضه عليه مسبقا لإقراره. وحينما عرض المرسوم بقانون المذكور على المجلس لإقراره وقف أعضاء كتل المجلس وقفه واحدة ضده لتعارضه مع أحكام الدستور الصريحة، ولم يستطع المجلس أن يستكمل اجتماعاته لمناقشه المرسوم بقانون بشأن تدابير امن الدولة نظرا لخلو تلك الاجتماعات من وزير يمثل الحكومة وفقا لنص المادة 76 من الدستور التي تنص في آخرها على أنه يجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها".

وانتقد البحارنة السلطة التنفيذية "التي استمرت في إصدار القوانين في شكل مراسيم بقوانين منذ تعطيل المجلس الوطني لمدة 30 عاما حتى بعد صدور دستور سنة 2002". 

المرحلة الإصلاحية

وعن بدء المرحلة الإصلاحية في تاريخ البحرين السياسي بعد تعطيل عمل السلطة قال البحارنة: "لا يوجد خلاف على أن العهد الإصلاحي قد بدأ من دون منازع بعد تسلم جلالة الملك سدة الحكم، إذ باشر جلالته بداية في العام 2001 كأمير لدولة البحرين بإلغاء المرسوم بقانون بشأن تدابير أمن الدولة لسنة 1974 وذلك بالمرسوم بقانون رقم "11" لسنة ،2001 وبإلغاء المرسوم الخاص بمحكمة أمن الدولة وذلك بالمرسوم رقم "4" لسنة .2001 كما أصدر جلالته المرسوم بقانون رقم "10" لسنة 2001 بالعفو الشامل عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني. وتضمن هذا القانون إطلاق سراح جميع الموقوفين والمتهمين والمحكوم عليهم من المواطنين من أصحاب الرأي ومن السياسيين المعارضين لسياسة الحكومة. كما شمل العفو الشامل كل المواطنين السياسيين الذين لجأوا إلى الإقامة الاضطرارية لسنين طويلة في دول أجنبية. ورحبت لجان ومنظمات الإنسان الدولية بهذه الخطوات الإصلاحية الجريئة التي اتخذها عاهل البلاد، الأمر الذي رفع مكانة البحرين الدولية عاليا، وكلنا أمل في أن هذه الخطوات الإصلاحية ستكلل بإنصاف كل الموقوفين والمتهمين والمحكوم عليهم في السابق من السياسيين وسجناء الرأي الذي أطلق سراحهم، وذلك بتعويضهم وعوائلهم عن السنوات التي قضوها في السجن تعويضا مجزيا وشاملا من قبل الحكومة التي تعتبر مسئولة مدنيا مسئولية مباشرة عن إيقافهم وسجنهم لسنين طويلة من حياتهم وفقا لأحكام قانون أمن الدولة لسنة 1974 غير الدستوري والذي لا تتوافر فيه أدنى عدالة المحاكمات الجنائية أمام المحاكم العادية بمختلف درجاتها التي ينص عليها الدستور وقانون السلطة القضائية".

وأضاف قائلا "كانت سنة 2001 هي السنة المباركة التي صدر فيها ميثاق العمل الوطني بعد التصويت عليه بنسبة 98,4 في المئة في استفتاء شعبي، أما سنة 2002 فقد شهدت ولادة سهلة لدستور جديد، وما كنا نتمنى ونحن في العهد الإصلاحي الحالي أن يصدر هذا الدستور الجديد بهذه الطريقة السهلة، إذ كان يجب أن يحكم طريقة إجراء التعديل الجزئي على دستور سنة ،1973 النص الخاص بهذا التعديل الذي تتضمنه المادة 104 من دستور 1973 وكذلك النص الخاص الذي يتضمنه الميثاق في هذا الشأن، وذلك من دون اجتهاد أو محاولة للتبرير في غير محلها، إذ لا اجتهاد في موضع النص".

كما انتقد البحارنة التفسير الحكومي لـ "استشرافات المستقبل" بشأن المجلسين، قائلا "أن هذا النص في الوقت الذي يتبين فيه طبيعة مجلس الشورى الاستشارية لا يحدد عدد أعضاء مجلس الشورى، كما أنه لا يتطرق إلى الآلية التي يجب أن يتم بموجبها التعديل الجزئي لا الكلي على الدستور، ويبين لنا من هذا النص أنه لا يتلاءم مع تعيين مجلس للشورى يتساوى أعضاؤه تماما مع أعضاء مجلس النواب المنتخب وذلك لأن النص يشير إلى إنشاء سلطة تشريعية "تتلاءم مع التطورات الديمقراطية في العالم". ويقضي الفهم العام لهذا التعبير بأنه لا يمكن أن تنشأ سلطة تشريعية تتلاءم مع التطورات الديمقراطية والدستورية في العالم إذا كان نصف أعضاء هذه السلطة معينا من قبل السلطة التنفيذية، أما فيما يتعلق بخلو نص الميثاق السالف بيانه من ذكر آلية للتعديل الجزئي على الدستور، فإن هذا يعتبر دليلا على أن الميثاق قد تجنب ذكر آلية لتعديل الدستور تتعارض مع الآلية الدستورية المنصوص عليها في المادة 104 من دستور سنة 1973 والتي تشترط لنجاح أي تعديل جزئي على الدستور، موافقة غالبية ثلثي أعضاء المجلس الوطني على هذا التعديل، لذلك كان يجب على الحكومة بداية إلغاء الأمر الأميري رقم "4" لسنة 1973 والدعوة لإجراء انتخابات لمجلس وطني جديد - ضمن إطار دستور سنة 1973 - وتكليفه بإجراء التعديل الدستوري المطلوب كخطوة أولى لإنشاء نظام المجلسين، مع إجراء التغييرات الشكلية في هذا الدستور، وعلى هذا الأساس، كان يمكن أن تجرى الانتخابات لمجلس النواب، أما مجلس الشورى فإنه كان يجب الالتزام في تعيينه بألا يزيد أعضاؤه عن نصف أعضاء مجلس النواب، وهذا عدد كاف في نظرنا، لأنه يزيد على نسبة التمثيل للوزراء بحكم مناصبهم في المجلس الوطني القديم وفقا للمادة 33 "ج" من الدستور التي تشترط ألا يزيد عدد الوزراء في المجلس على 14 وزيرا. وكان يمكن أن يأخذ هذا التعديل الجزئي على الدستور تسمية "التعديل الأول على الدستور".

وتابع "ومن ناحية أخرى فإن الاستفتاء الشعبي العام على ميثاق العمل الوطني الذي يتضمن نصا عاما بشأن إجراء تعديل جزئي على الفصل الثاني من الباب الرابع من دستور سنة ،1973 لا يعني مطلقا أن الشعب قد أقر بصورة غير مباشرة عن طريق التصويت الشعبي على الميثاق، الأحكام التي يتضمنها دستور 2002 الجديد، ذلك لأن الميثاق - عند التصويت عليه - لم يكن يتضمن سوى مبدأ عام محدد بشأن إجراء تعديل جزئي على الدستور في احد فصوله. وعليه، فإنه إذا كانت الحكومة قد بادرت من نفسها بعد سنة من صدور الميثاق بوضع وإصدار دستور جديد يتعارض مع المبدأ العام الذي يتضمنه الميثاق بشأن إجراء التعديل الجزئي على دستور سنة ،1973 فإنها تكون بذلك قد تصرفت من دون تفويض شعبي، وكان يجب عليها في هذه الحال أن تعرض دستور سنة 2002 الجديد على الشعب ليتخذ قرارا بشأنه في استفتاء عام وذلك باعتباره أحد الخيارات التي يمكن أن تطرح لحل الأزمة الدستورية القائمة. وقد يكمن في هذا الإجراء أو في غيره من الإجراءات الدستورية التي قد يتم الاتفاق عليها بين وفدي المعارضة والحكومة من خلال مفاوضاتهما الدستورية الحالية، الحل المتفق عليه للخلاف المستحكم بين المعارضة والحكومة حول دستورية وضع وإصدار دستور سنة 2002 الذي يكمن ضعفه أساسا في كونه قد خلف دستورا عقديا سبق صدوره بثلاثين سنة، في حين أن المبادئ والأحكام - التي يتضمنها هذا الدستور الجديد في أهم فصل من فصوله فيما يتعلق بالسلطة التشريعية وفي بعض الفصول الأخرى، إذا ما قورنت بالمبادئ والأحكام التي يتضمنها الدستور العقدي في هذا الشأن - تمثل تراجعا إلى الخلف وليس تقدما إلى الأمام، ويبدو أن هذا الرأي يجمع عليه غالبية أعضاء المجلس النيابي الحاليين الذين لمسوا من تجربتهم في هذا المجلس خلال السنتين الماضيتين مدى الصعوبات والقيود التي يفرضها عليهم الفصل الثالث من الباب الرابع من الدستور فيما يتعلق بحرية ممارستهم كممثلين للشعب - مصدر السلطات جميعا - لاختصاصاتهم التشريعية والرقابية، هذا عدا القيود القانونية التي تتضمنها أحكام بعض المراسيم بقوانين التي أصدرتها السلطة التنفيذية - قبل انعقاد أول اجتماع لمجلس النواب بتاريخ 14 ديسمبر 2002 - والتي تصب في الاتجاه العكسي لحرية ممارسة مجلس النواب لاختصاصاتهم التشريعية والرقابية الكاملة، الأمر الذي حدا بمختلف كتل المجلس - من دون استثناء - بأن يعدوا صيغ مسودات لتعديلات دستورية لتقديمها إلى الحكومة في دور الانعقاد القادم، ومع ذلك فإننا لا نرى أن أحكام المادة 120 من هذا الدستور التي تتضمن مشاركة مجلس الشورى المعين في التعديل الدستوري بغالبية الثلثين لكل من المجلسين، ستسعف مجلس النواب في إنجاز أي تعديل جذري أساسي يعيد إلى المجلس التشريعي اختصاصاته التشريعية والرقابية بالشكل والمضمون الذي يتضمنه الفصل الثاني من الباب الرابع من دستور سنة 1973م".

واختتم البحارنة كلامه بالقول "إن وجود مجلس شورى معين يتساوى عدد أعضائه مع عدد أعضاء مجلس النواب ويتمتع باختصاصات تشريعية متساوية لأعضاء مجلس النواب يجعل من غير الممكن، بل من المستحيل إمكان إقرار وإصدار أي قانون أو إجراء تعديل على الدستور لا ينال موافقة الحكومة عليه مسبقا. وعكست تجربة مجلس النواب الحالي القصيرة هذه الحقيقة المرة".

هذا المقال من صحيفة الوسط

http://www.alwasatnews.com