5 أغسطس 2002

محاضرة الشيخ عبد الجليل المقداد في مجلس الشيخ عبد الأمير منصور الجمري ( حفظه الله) بعنوان الديمقراطية والمجتمع المدني


المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، نستضيف في هذه الليلة سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد في ندوة بعنوان ( الديمقراطية والمجتمع المدني )، نتناول في ما يلي:
1) الديمقراطية في المناصب الدينية
2) الديمقراطية والتشريع
3) الديمقراطية في عصر الغيبة
4) الديمقراطية في اختيار النظام
5) الديمقراطية والتدين
6) هل النظام الإسلامي نظام استبدادي؟
فليتفضل الشيخ الجليل، ورحم الله من صلى على محمد وآل محمد
الشيخ المقداد: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله...
حتى يكون الدخول في هكذا مباحث دخولا موضوعيا، ينبغي أن نعتمد أمورا قد أشير إليها سابقا، واعتقد أن تلك الأمور التي مرت في جلسة أخرى، ضرورية في مثل هذه المباحث، وهو ضرورة أن يتخلى الشخص عن عندياته وعن سوابقه، لأنه تارة يكون الإنسان لديه سوابق و عنديات يحاول أن في الحقيقة بنحو أو بآخر أن ينزل القضايا العلمية على تلك السوابق.
إن البحث العلمي والموضوعي أن يدخل الإنسان المعترك وهو خالي الذهن، ويسلم بالنتائج التي في الحقيقة توصل إليها الآلية العلمية الموضوعية، أما إذا كان الإنسان يمتلك سوابق ويمتلك عنديات – واقعا – سوف يكون أسير لتلك السوابق وأسير لتلك العنديات، ولن يستطيع أن يتقبل نتائج البحث العلمي الموضوعي، هذا مطلب، مطلب آخر أيضاً -أشير إليه سابقاً-، أن أي مطلبٍ إنما يمتلك رصيداً من الحقانية إذا وافق كتاب الله وسنة نبيه، كل تنظير كل قضية اقتصادية آو اجتماعية أو سياسية إنما تمتلك حقانية وتمثل حقا إذا كان لها نصيب من الموافقة للضوابط الشرعية، وكتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه (ص)، نقطة أخرى: إنه الإنسان إذا قاده البحث العلمي إلى رفض – مثلا – الديمقراطية، هذا لا يعني التسليم بالاستبداد، ليس هناك تلازم بينهما، قد لا نرضى بالديمقراطية، وفي نفس الوقت أيضا لا نرضى بالاستبداد.
وليست في الحقيقة كما يتصور البعض أن القضية محصورة إما أن نقول بالديمقراطية وإلا استبداد، لا.. نحن نعتقد أن هناك طريقا آخر لا يؤدي بنا إلى الديمقراطية ولا يؤدي بنا إلى الاستبداد، وهو الطرح الديني، الأطروحة الدينية التي في الوقت الذي لا ترضى فيه بالديمقراطية بمفهومها الواسع المطروح الآن، وفي نفس الوقت ترفض الاستبداد ولا تقبل –في الحقيقة- وتجل المجتمع من أن تتصرف في شؤونهم هيمنة استبدادية، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، القضية ليست حاصرة، بل الطرح الديني القويم يؤدي بنا إلى هذا المسلك، في الوقت الذي لا يرتئي فيه الديمقراطية أساسا للحكم، يرفض الاستبداد بصورة قاطعة.
أول قضية هنا ينبغي أن تبحث، مسألة المناصب الدينية، قد نختلف فيها، ولكن المناصب الدينية هل تخضع للديمقراطية؟
أولا: مقام النبوة الذي هو من أوضح مصاديق المناصب الإلهية، هل تخضع للديمقراطية؟
يعني الله يأمر البشر أن ينتخبوا رجلا منهم نبيا
وإذا أنتم ارتأيتم شخص أن يكون مرسل فالإرادة الإلهية تمضي على ما اتفقتم عليه هل الأمر في مسألة النبوة هكذا ؟
الإجابة واضحة بصورة قاطعة و بديهية أن منصب النبوة منصب ديني سماوي لا شأن للبشرية فيه (ِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران:33) فمسألة النبوة واضح أنها أمر متصل بالسماء الأرض ليس لها شأن فيه، اصطفاء وانتخاب و في الحقيقة اختيار إلهي(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(الأنعام: من الآية124)،(اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ)(الحج: من الآية75) فإذن هذا الأمر لا مجال للخوض فيه بحيث أن نعمم أنه إذا تطرح الديمقراطية تطرح أيضا حتى على مستوى منصب النبوة ولعل القضية سرها واضح، فتصوروا لو أننا في ذلك الوقت الذي أستملك فيه فرعون البلاد و العباد و الله سبحانه وتعالى يريد أن ينتشل الناس(اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ )(البقرة: من الآية122)،( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ )(البقرة: من الآية49) الله سبحانه وتعالى يريد أن يستنقذ بني إسرائيل من الظلم الذي نزل بهم.
فلو صورنا المسألة مسألة ديمقراطية الله سبحانه وتعالى يقول انتخبوا لكم من الشخصيات التي عندكم نبيا وشخصا ونحن سوف نمضي ما تتفقون عليه، فلا شك أن الأمة سوف تختار فرعون، فرعون الذي ملك البلاد و العباد والذي طغى والذي تجبر واضح أن الناس لن تحيد عن فرعون، لن يذهب أحد إلى موسى، ولو في الحقيقة كانت العملية عملية ديمقراطية عملية انتخابية بين البيت الأموي وبين الرسول الأعظم (ص) وجاءت الرأسمالية الأموية وجاء أصحاب الرقاب الغليظة وكانت المسألة مسألة تخضع للانتخاب، أبو سفيان تريدون أيها الناس أو تريدون محمد بن عبد الله اقترعوا، فلا شك أن البيت الأموي هو الذي سوف تكون له الغلبة سوف ينزل الرأسمالية الأموية والإعلام الأموي والأموال الأموية وسوف تستطيع في الحقيقة أن تميل قلوب الناس إليها، فسر المسألة لعله واضح إذن هذا أمر مفروغ منه النبوة لا شأن للناس فيها.
نتقدم مرحلة أخرى الخلافة بعد رسول الله (ص) هل تخضع إلى الانتخاب وإلى عملية ديمقراطية كما يقولون أو أنها منصب سماوي وهنا في الحقيقة الخلاف بين المذاهب الإسلامية، الشيعة أعز الله شأنهم قاطبة على أن الإمامة كالنبوة منصب ديني ومنصب إلهي هذا ما نعتقده، نعتقد أن رسول الله (ص) في يوم الغدير نصب علي (ع) إماما وهاديا للأمة وبتعيين من الله سبحانه وتعالى بلا إشكال (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)(المائدة: من الآية67))).
إذن مسألة الإمامة بعد رسول الله (ص) نعتقد أنها أيضا منصب إلهي لا دخل للبشرية في تعيينه و استتماما للبحث انه في مسألة الإمامة أعتقد أن المقدمات التي ابتنى عليها البحث في الإمامة مقدمات خاطئة كما يشير علماؤنا ( قدس الله أسرارهم ) لأنه في الحقيقة الإمامة لا ينبغي أن تطرح على أنها مسألة النزاع في أنه من الخليفة بعد رسول الله (ص) لا ينبغي أن يطرح على أن الخلافة منصب دنيوي عندنا حكومة بعد رسول الله (ص) هذه الحكومة يتصدى إليها أبو بكر أو أنه يتصدى لها الإمام علي (ع) حكومة فيه ما يرجع إلى أمر البلاد و العباد هل يتصدى إليها أبو بكر أو يتصدى إليها الإمام علي (ع) ؟
لا إن طرح المسألة خاطئ أليس عندنا حكومة ومنصب دنيوي من يتصدى له ؟
إن مسألة الإمامة ينبغي أن تطرح على أنه من يكون بعد رسول الله (ص) يقوم مقامه في تبليغ أمر الدين وفي مواصلة المسيرة مقام معنوي من يكون بعد الرسول (ص) يكون مبلغا لهذا الدين مسألة الزعامة الدنيوية والحكومة الدنيوية هذا في الحقيقة أمر فرع من فروع تلك المسألة هذا أمر جانبي الإمامة ينبغي أن تطرح على أنه بعد الرسول (ص) من الذي يتصدى في تبلغ أحكام الدين نعتقد أنه لا بد أن يكون بعد الرسول الأعظم (ص) شخصية متكاملة شخصية معصومة هي التي تقوم بتبليغ أمر الدين الغرض هذا ليس محل البحث أنه مسألة الخلافة في عقيدة الشيعة الإمامية أيضا لا تخضع لمسألة الانتخاب وليست في الحقيقة المسألة ديمقراطية كما يقولون بل حتى عند إخواننا السنة الأمر أيضا كذلك لأن إخواننا السنة عندما يقولون أن الأمر شورى بين المسلمين ضيقوا الدائرة وقالوا أن الذي له حق في أن يبت في هذا الأمر الخطير إنما هم أهل الحل والعقد أهل المدينة قوم مختصون هم الذين يختارون الخليفة من بعد رسوا الله (ص).
إذن حتى بناءا على نظرية إخواننا السنة أيضا المسألة تخرج عن الديمقراطية بشكلها وبعرضها الوسيع بل تخضع إلى ضوابط معينة إذن تقريبا في الجملة نقول مسألة الخلافة بعد رسول الله (ص) هذه أيضا خارجة عن مسألة الانتخابات وأن تطرح القضية للانتخاب وأن تكون القضية ديمقراطية، أما على نظريتنا نحن الشيعة لأننا نعتقد أنها مرصد ديني وأما على نظرية إخواننا أبناء العامة فهم وإن قالوا أن الأمر شورى بين المسلمين بعد رسول الله (ص) إلا أنهم في الحقيقة لم يفتحوا الباب على مصراعيه هذا الأمر الخطير لم يجعلوا أن يبت في هذا الولد الذي لم يبلغ مثلا العشرين من عمره لأنه الآن العملية الديمقراطية في بعض الدول هذا الذي لم يبلغ العشرين هذا الذي بلغ الخامسة عشر هذا له أيضا حق في تقرير مصير أمة، مسألة الخلافة لا تخضع إلى هذه الدائرة الوسيعة بل هي محصورة من الأساس في أهل الحل و العقد هذا أيضا مطلب يكون متجاوز، مطلب آخر وكما قلنا آليات هكذا مباحث ينبغي أن تكون على أساس ( باعتبار أننا متدينين ) فالطبيعة أن تكون آليات هذا البحث آليات دينية، الأمور التي نعتمدها في الحقيقة قضايا دينية لأننا فرضنا عن أننا نعتقد بدين ونسلم بالأطروحة الدينية.
نأتي إلى مطلب آخر، هل للأمة حق في تقرير مصيرها بالنسبة إلى اختيار النظام الأفضل ؟
المسألة ما دامت تخضع للديمقراطية للأمة حق في أن تقرر مصيرها في النظام الأفضل، الأمة في يوم من الأيام ارتأت الإسلام على أنه الأطروحة الصحيحة و النافعة والمجدية في وقت آخر الأمة تختار أطروحة أخرى قد لا تتخذ من التوحيد منطلق في تشريعاتها وفي رؤاها للقضايا العامة، و قد أساسا لا تختار النظام الإسلامي، هل للأمة في المنظور الإسلامي هذا الحق أنه في يوم من الأيام تصوت الأمة على أننا لا نريد الإسلام نريد أن يقوم النظام على أساس من الشرك أو ما شابه ذلك، هذا قطعا دينيا مرفوض بلا إشكال و لا مجال للبحث فيه و الأدلة القرآنية واضحة وبكل صراحة تنادي و تقول (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )(آل عمران: من الآية85) و الآن سوى أخذنا الإسلام بمعناه الخاص وهو إسلامنا الرسالة النبوية الذي يعتمد على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله هذا الإسلام في دائرته الخاصة أو أخذنا الإسلام بمعنى التسليم لأن الإسلام العام بمعنى التسليم أيضا يعتمد على أساس التوحيد لا شك و لا ريب الإسلام إما أن يؤخذ بمعنى الإسلام الخاص الذي يعتمد التوحيد أساسا أو أن نأخذ الإسلام في دائرته الوسيعة الإسلام يعني التسليم لله هذا أيضا يعني أن المحورية تكون هي التوحيد إذن أن يكون للأمة حق و على أساس من الحق الديمقراطي كما يقولون في أن تختار لنفسها نظاما آخر لا يبتني على أساس التوحيد قطعا ليس للأمة هذا الحق بلا إشكال.
نتقدم مرحلة أخرى إلى الأمام، ونطرح هذا السؤال هل للأمة حقا في أن تختار نظام تشريعي هذا بحث آخر لأنه يمكن للأمة أن نقول لا حق لها في أن تختار نظاما لا يبتني على أساس التوحيد لابد أن يكون النظام يبتني على أساس التوحيد و أن يكون إسلام كما هو الآن في كل الدول العربية وجل الدول الإسلامية تعتقد بالتوحيد و لكن في كثير من تشريعاتها لا تنطلق على أساس التشريع الإسلامي هذه النقطة تقول أن الأمة بعد أن لا يكون لها حق في أن تختار نظام لا يعتمد التوحيد و ينكر الرسالة نقول هل للأمة حق في أن تشرع لنفسها وتختار شريعة أخرى نظام اقتصادي وضعي نظام سياسي وضعي و لا تعتمد النظام التشريعي الإسلامي هذه أيضا النصوص الدينية وافية في أن الأمة ليس لها حق التشريع أصلا و ذلك قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ )(الأحزاب: من الآية36) (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)(آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)(يونس: من الآية59) مقابلة ما لم يأذن به الله فهو افتراء عليه ، (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )) في الواقع أن هذه الآيات تفيد أمرا واضحا على أن الأمة لا يحق لها أن تشرع تشريعا في قبال التشريع الإلهي بل أنه الأمر أكثر الله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه (ص) ويقول (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ) (الحاقة:44) تهديد ليس له حق، وآيات أخرى تفيد أنه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) (لنجم:3) .فالأمر واضح في أن الأمة تختار لنفسها تشريع غير التشريع الذي اختاره السماء هذا في الحقيقة لا حق لها و لا نستطيع أن نقول على أساس من الحق الديمقراطي وللأسف الشديد أنه حبذا لو الذين ينادون بالديمقراطية يبينون لنا سعة هذا المفهوم وإلى أي مستوى ؟
هل الديمقراطية بمستوى أن للأمة حق في أن تختار على خلاف، وأنا قد رأيت بعض الكتاب عندما كنا في إيران وهم يصرحون ويقولون بأن التشريع الإلهي له أمل و أمله أنه إذا لم يصطدم بإرادة الأمة فلو أن الأمة ارتأت شيئا وفي القبال التشريع الإلهي يرى شيء طبعا فمثلا التشريع الإلهي يقوم على أساس حرمة الربا(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(البقرة: من الآية275)،ولكن الأمة في يوم من الأيام ارتأت أن العملية الإقتصادية لا يمكن أن تدفع للأمام ولا يمكن أن يتحسن أو أن ينتعش الوضع الاقتصادي للامة إلا بجعل التجارة والاقتصاد على أساس ربوي هكذا ارتأت الأمة، إذن التشريع نافذ ما لم يصطدم بإرادة الأمة على خلافه فلو اصطدمت إرادة الأمة على خلاف التشريع الإلهي لعطل ولا قيمة له هذا كلام يمكن أن نتفوه به لو اعتمدت آليات علمية غير الآليات المصرح بها شرعا غير النصوص والمتون الدينية واعتمدنا آليات علمية تقوم على أساس حسابات مادية يمكن أن توصلنا إلى أن الاقتصاد ينبغي أن يقوم على أساس من المعاملة الربوية أما ما دمنا كمسلمين ونعتمد الآلية العلمية المرخص فيها والمنصوص عليها كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه فلا يمكن أن نتفوه بهذا أبدا أذن التشريع أيضا أنه الأمة تختار لنفسها تشريع هذا الأمر من الناحية الدينية في الحقيقة مفروغ عنه وان ليس للامة حقا في أن تشرع وبان تتخذ لنفسها منهجا يخالف المنهج السماوي.
مسألة أخرى الآن في عصر الغيبة وهذه مسألة مهمة لأنه هكذا البعض يقول قد نقول بأن الحق الديمقراطي لا يثبت للامة مع وجود المعصوم النبي(ص) والأئمة المعصومون(ع) مع وجودهم لا يمكن في الحقيقة أن نخضع المسألة إلى مسألة إرادة أمة واختيار أمة وحق ديمقراطي وما شابه ذلك لكن ما هو الحال في عصر الغيبة -لا يوجد معصوم- إذا كان لا يوجد معصوم يعني الإنسان رأيه مصون عن الخطأ رأيه يعني الواقعية الحقة إنسان هكذا غير موجود ليس عندنا إلا أفراد آحاد من الأمة كلهم معرضون للخطأ أن يتصدى شخص دون شخص هذا يحتاج إلى دليل وهذا في الحقيقة قد يوصل بنا إلى عملية الاستبداد فالمسألة لا محالة تنتهي إلى عملية الانتخاب و نخضع الأمر إلى إرادة الأمة يعني في الحقيقة تصير النظرية الشيعية كنظرية إخواننا السنة ولكن الفرق بينهما في السعة والضيق لأن إخواننا السنة قالوا مع وجود النبي (ص) ليس للأمة حق في أن تجعل الأمر شورى بينها ولكن بعد رحيل الرسول الأعظم (ص) الأمر يعود إلى الأمة وشورى بين الأمة ولكنفي دائرتها الضيقة بين أهل الحل و العقد، نحن أيضا بناءا على هذا المطلب نقول مع وجود المعصوم سواء أكان نبيا أو إماما مع وجود المعصوم لا ينتهي الأمر إلى أن تمارس الأمة الحق الديمقراطي في الانتخاب، ولكن ماذا عن مرحلة الغيبة لا يوجد معصوم حاضر بين أيدينا و إنما نقول حاضر بين أيدينا حتى لا يتوهم البعض أن الآن الأرض قد خلت من حجة لا فالإمام الثاني عشر (عج) في عقيدتنا موجود وحي يرزق إلا أنه غير حاضر بين أيدينا بحيث يكون له زمام الأمر ويبت في قضايانا المهم في زمن الغيبة هل يكون للأمة الحق في أن تمارس عملية الانتخاب و يكون الأمر شورى بينها كما هو الحال بناءا على النظرية – نظرية إخواننا أبناء العامة – بعد رحيل الرسول الأعظم (ص) أو أنه لا سلسلة المناصب الإلهية تستمر بعد زمن الغيبة ولا يكون للأمة أن تمارس هذا الحق.
وهنا في الحقيقة نحتاج إلى زمن الغيبة في زمن الغيبة ادعي أن سلسلة المناصب و التعيينات الإلهية استمرت يعني كان المنصب الإلهي متعينا ومتشخصاً في الرسول الأعظم (ص) وبعد ارتحال الرسول الأعظم (ص) مسألة المناصب الإلهية بناءا على نظريتنا نحن الشيعة استمرت و الرسول الأعظم (ص) وبإذن وبأمر من الله سبحانه وتعالى عين علي (ع) ومن بعد علي أبناء علي (ع) الدعوة أن في زمن الغيبة أيضا سلسلة المناصب الإلهية ولكن بمعنى – أقول بمعنى وسوف يتضح – سلسلة المناصب الإلهية استمرت وتواصلت و انتقل هذا التعيين إلى الفقيه الجامع للشرائط وهذا ما يستدعي بنا إلى أن نبحث في المناصب التي تثبت للفقيه الجامع للشرائط لا شك ولا ريب بين علماؤنا على أنه القضاء هذا منصب شرعي وحق ثابت للفقيه بلا إشكال، مسألة القضاء لا تخضع لعملية ديمقراطية، القضاء حق للفقيه الجامع للشرائط ولا يجوز لغيره أن يفصل بين الناس، هذا حق للفقيه الجامع للشرائط وواضح أنه لا يخضع لعملية ديمقراطية.
المنصب الثاني حق الإفتاء وهو منصب ومقام ديني ثبت للفقيه بالنسبة إلى حق القضاء وفصل الخصومة بين المتنازعين والروايات عندنا كثيرة و التي مضمونها ( إياكم أن يتحاكم أحدكم إلى هؤلاء ولكن انظروا إلى رجل منكم عرف شيئا من قضايانا فاتخذوه حكما فإني جعلته حكما ) وقضاياهم كثيرة جدا و علومهم جمة و الذي عرف شيئا من قضاياهم هم هو الفقيه الجامع للشرائط، فلا يجوز الترافع إلى غير الفقهاء المنصوبون من قبل أئمة أهل البيت( ع ) وهذه المسألة لا إشكال فيها.
مسألة حق الإفتاء وأن الفقيه و بحسب ما يستفيد ه من الأدلة الشرعية المعتمدة المذكورة في محلها كتاب الله وسنة نبيه له الحق في أن يستخرج الأحكام الشرعية التي ترتبط بأعمال المكلفين وهذا أمر لا يحق لغير الفقيه و لا يجوز لغير الفقيه أن يتصدى لأنه أمر لا يعنيه ولا يخصه، حق الإفتاء ثابت للفقيه والقضية لا إشكال فيها؟
هل هناك منصب آخر أم لا هذا المنصب الآخر الذي اختلف فيه فقهاؤنا اختلاف كبير هو هل أن للفقيه ولاية كما للمعصوم ؟
لا إشكال أن المعصوم له ولاية مطلقة وذلك قوله تعالى(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ )(الأحزاب: من الآية6) هذا الحق و الاختيار الثابت للإنسان أنا لي حق الناس مسلطون على أموالهم و أما على أنفسهم أنا لي الاختيار بأن أتصرف في مالي وفي نفسي وبلا إشكال في الحدود الشرعية هذا الاختيار الثابت لي الرسول (ص) له الاختيار المطلق بحيث يسلب اختياري ويتصرف في نفسي و في مالي أي له ولاية عامة وهذه الولاية العامة الثابتة للنبي – بتعيين الهي – انتقلت إلى أمير المؤمنين (ع) وذلك في حديث الغدير ( ألست أولى بكم من أنفسكم ) قالوا بلى وهذه إشارة إلى أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و هنا أيضا لا يوجد مجال إلى ما يدعيه إخواننا العامة من أن الولاية هنا بمعنى المحبة و النصرة، والنبي (ص) نقلها إلى علي(ع)، ( من كنت مولاه فعلي مولاه) فللأئمة أيضا ببركة حديث الغدير الولاية العامة إذن الفقيه له هذه الولاية العامة أم ليست له الولاية العامة ؟
المعروف و المشهور بين فقهائنا (رحم الله الماضين منهم وأدام الله الباقين ) أنه ليس للفقيه الولاية العامة وفي القبال الرأي الذي التزم به بعض فقهاؤنا و الذي رفع ودافع عنه وكيف دفاع السيد الإمام (رحمة الله عليه ) وقال أنه في أمر الحكومة لا فرق بين المعصوم و بين الفقيه كما أن للإمام الولاية العامة للفقيه أيضا تثبت الولاية العامة، فلذلك نرجع إلى سلسلة المناصب الإلهية و في القبال فقهاؤنا قالوا أن الفقيه ليست له الولاية العامة بناءا على رأي المشهور من فقهائنا الفقيه ليس له الولاية العامة هل تبقى المسألة إذن هكذا ؟
في الحقيقة الباب على مصراعيه ونقول كل شخص من الأمة يتصدى أو لا ؟
الدائرة أيضا ضيقة.
والآن فتح باب النقاش لكي تتضح الصورة أكثر:
س: رجال طرح الدولة الإسلامية التي يكون فيها رأس الدولة شخص واحد يعين الأشخاص الآخرين وهو خلاف التجربة الموجودة في إيران التي هي جمهورية إسلامية وهي مزاوجة بين النظام الديمقراطي ونظام ولاية الفقيه وفي حياة الإمام الخميني أقر هذا النظام و أخذ بآليات ديمقراطية في قياس الجمهورية حتى ولي الفقيه وهناك مجلس الخبراء ينتخب الفقيه فهذه أيضا ديمقراطية و لو مقننة من بين الفقهاء المؤهلين، فهل طرحكم هذا باتجاه دولة إسلامية أو موجود في إيران حتى اليوم ؟
ج: النظام الموجود في الدولة الإسلامية وكما يوحي به العنوان – الجمهورية الإسلامية – في الحقيقة كأنما قضية مركبة بين عنصر الإسلام وعنصر آخر وهو الجمهورية ناظر إلى الجمهور و حقوق الأمة وإرادة الأمة فليست في الحقيقة قضية إسلامية وخاضعة إلى تعيين بحت لا إرادة للأمة فيه كما أنه ليست المسألة جمهورية و حقوق أمة فحسب تتصرف كما تشاء و إنما هي مؤطرة بإطار إسلامي هناك شيء ينبغي الإلتفات له أن النظرية الإسلامية من المستفاد من النصوص الشرعية إلى ماذا تؤدي وهذا هو دأب البحث العلمي وهو أنه مثلا أنت عندك آليات معتمدة توصلك إلى نتائج والآليات المعتمدة هنا النصوص والمتون الدينية.
س: لا بد من التجنب من الوقوع في الاستبداد هناك آليات لتقنين الصلاحيات المطلقة التي قد تؤدي سواء شئنا أم أبينا ؟
ج: هذه الآليات موجودة فلا نحتاج لآليات تفرضها الأمة نفس النصوص الدينية تعرضت لها – كلمة لأمير المؤمنين مضمونها – إنما يكون الوالي على الفروض و الدماء والأعراض تشترط فيه شرائط عدة منها: أن لا يكون فاسق، أن لا يكون حريصا، أن لا يكون ضعيف، أن لا يكون إنسان غير مدبر، أن لا يكون مستبد. فالسيد الإمام يقول: ولاية الفقيه هي التي تتكفل لنا برفض الاستبداد.
فضع أصبعك حيث شئت من بلاد الله الواسعة العريضة فهل ترى إلا استبداد وإلا دكتاتورية وإلا تجبر ؟
س: حول ولاية الفقيه بعضهم يؤمن بولاية الفقيه والآخر لا يؤمن ففرضا أنا أقلد من لا يؤمن بولاية الفقيه، فأنا أكون في حيرة من أمري ؟
ج: أولا الآلية لحلحلة هذا الوضع الغير متلائم الذي فرضتموه آلية موجودة أي أنه ينبغي أن يستقر الرأي على متصد واحد.
س: حول نظرية ولاية الفقيه المشكلة أنها واضحة ولكن التطبيق لما يكون قياسي أي أنهم يقيسون ما يحدث في إيران ويطبق هنا هل الفقيه هو الذي يتولى القيادة السياسية وليست الرقابة الشرعية ؟
ج: إن للفقيه النظر في سياسة البلاد – ما المراد بالنظر هنا ؟ - أنه عليه الرقابة فقط أي أن الأمور بيد غيره فيرى إذا صارت ثغرة شرعية يعمل على سدها، أما أنه يتدخل في السياسة وغيرها فهذا ليس تشريع أن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وأننا إذا أعطينا للفقيه مجرد حق النظر والإشراف شيئا فشيئا يزاح ولا يؤخذ له قيمة بل الضرورة قاضية بأن يكون للفقيه منصب سياسي يثبت موضع قدمه.
س: إذا لم تكن ديمقراطية فهي استبداد وأن بينهما علاقة، فما هو الدور وما هو العنوان الذي نأخذ به حتى وإن فرضت علينا كما فرضت على الجمهورية الإسلامية أن تأخذ بالديمقراطية وإن كانت آلية ؟
ج: أن تقوم الأمة بدورها على أكمل وجه من ناحية الطرح الديني، فالقضايا المهمة لأمر الأمة يبت فيها الصلحاء.