نص محاضرة الدكتور محمد رضا أبو حسيِّن في مجلس سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري حول ممارسة الديمقراطية في ظل الدستور الجديد.

26-8-2002م

المحاور التي تم طرحها بالندوة:

1.    غياب البرلمان والديمقراطية في العالم العربي والإسلامي بسبب الأزمة السياسية والإقتصادية التي يعيشها اليوم.

2.    مفهوم الديمقراطية وأهميتها.

3.    تكوين الدستور باعتباره وثيقة قانونية وسياسية.

4.    سيطرة السلطة التنفيذية ورقابتها على السلطة التشريعية.

5.    تقييد السلطة التشريعية بالقوانين والمراسيم الصادرة قبل انعقاد البرلمان.

6.    مدى دستورية القوانين السابقة واللاحقة على الدستور الجديد.

7.    نص المادة( 120/ج) وتجميد تطوير العملية الديمقراطية.

8.    أهمية موقف علماء الدين، الطبقة المثقفة والجمعيات والهيئات المهنية.

9.    ماذا سيحقق البرلمان، وهو تتفق مع رؤى وتطلعات وطموحات عظمة  الملك وبرنامجه الإصلاحي؟

د. محمد رضا بوحسيِّن

 

غياب البرلمانات والديمقراطية أحد الأسباب للأزمة السياسية والإقتصادية التي يعيشها العالم العربي والإسلامي اليوم.

لعل أحد الأسباب للأزمة السياسية والإقتصادية التي يعيشها العالم العربي بوجه عام والعالم الإسلامي بوجه خاص في واقع اليوم والهجمة الشرسة والإبتزاز التي يواجهها من قبل الدول الكبرى، هو غياب الحياة البرلمانية والديمقراطية في دول العالم العربي والإسلامي. إذ لو وجدت مثل هذه الهيئات الدستورية والممارسة الديمقراطية بالتاريخ البعيد لما تمكن العالم الغربي والدول الإمبريالية( القائمة على التوسع) من ممارسة سياسات الضغط الإقتصادي والسياسي واستغلال الثروات الطبيعية والسيطرة على استقلال القرار السياسي لدول العالم العربي والإسلامي. حيث ستتمكَّن الأنظمة الحاكمة من مواجهة هذه الدول بالقرارات البرلمانية والقوى الشعبية باعتبارها صاحبة السلطة والسيادة، وهو ما سيمكن النظام الحاكم من رفض الخضوع لضغوط الدول الكبرى استناداً للقرارات التي يتخذها البرلمان الوطني مما يجنب الأنظمة الحاكمة سطوة الدول الكبرى. وبذلك فإنّ البرلمانات والحياة الديمقراطية كانت ستؤدي إلى دعم وحماية الأنظمة الحاكمة وتنمية قدرات شعوب العالم العربي وحفظ ثرواته الطبيعية غير المتحددة والتصدي لأي نوع من أنواع الإستغلال أو فرض القرارات السياسية عليها أو القبول لأي نمط من الأنماط المستحدثة والمستجدة للإستعمار.

ولو وجدت مثل هذه البرلمانات في التاريخ البعيد لمكن العالم الإسلامي من لعب دور بارز وجوهري في السياسة الدولية وتوجيه الإقتصاد العالمي.

مفهوم الديمقراطية وفقاً للمبادئ الدستورية:

الديمقراطية تعني ممارسة الأمة أو الشعب للسلطة بجميع مظاهرها بتيسير شؤون الحكم في الدولة سياسياً، اجتماعياً، واقتصادياً سواءً بالطريق النيابي المباشر وغير المباشر. ملتزمين في ذلك بالحدود والمعايير والضوابط التي يفرضها القانون والدستور الذي يعبر عن الإرادة الجماعية العامة لأعضاء المجتمع الذي ارتضاه أفراده بإرادة حرة غير مكرهاً.

وعليه فإن مصادر الديمقراطية يكون الدستور القائم على أساس احترام المبادئ العامة للحريات والحقوق، وقد تعرض دستور البحرين لتغيير شمولي تغيرت معه الشخصية الإعتبارية للدولة بالمجتمع الدولي وتغير نظام الحكم ونمط العلاقة بين السلطات الثلاث.

أهمية التعديلات الدستورية.

إن أهمية التعديلات الدستورية لا تأتي باعتبار أن الدستور الأداة التي تحدد نظام الحكم والحريات العامة للأفراد والسلطات الثلاث وصلاحيتها فقط، وإنما باعتباره أيضاً الأداة القانونية التي تنظم ممارسة الحياة السياسية في الدولة، ولذلك، فإن واضعي الدستور دائماً ما يأخذوا بعين الاعتبار درجة التطور الاجتماعي الاقتصادي والسياسي والسكاني في المجتمع، إذ تجنب الأخذ بعين الاعتبار هذه العوامل من شانه أن يؤدي إلى وضع دستور غير قادر على محاكاة واقع المجتمع ومنفصل عن درجة تطوره مما يخلق فجوة بين الحكام والمحكومين مما يؤدي إلى الإضرار بالمصلحة والوطنية بجميع جوانبها وهو ما يتجنبه دائما واضعي الدساتير.

إن الأخذ بعين الاعتبار البعد التاريخي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي من قبل واضعي الدستور يتطلب المشاركة الشعبية لأبناء المجتمع ورجالات القانون والشريعة والطبقة المتخصصة من السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين في صياغة الدستور باعتبارهم الأكثر دراية بدرجة التطور والخصوصية التاريخية لمجتمعهم، وإن كان ذلك لا يمنع من الاستعانة بأهل الخبرة والتخصص العلمي من الأجانب إلى  جانب القوى الشعبية.

أنظمة الحكم وإدارة الشئون السياسية للدولة:

لقد اعتمد الفقه السياسي والدستور على ثلاث صور للأنظمة النيابية لم تخرج دساتير العالم عن أحدها والتي تتمثل في الأنواع التالية:

_(النوع الأول)_ النظام المجلسي: وهو النظام القائم على أساس إدماج السلطتين التشريعين و التنفيذية.

_(النوع الثاني)_ النظام الرئاسي: وهو النظام القائم على أساس الفصل بين السلطتين التشريعين و التنفيذية إلى أبعد حد ممكن.

_(النوع الثالث)_ النظام البرلماني: وهو النظام القائم على أساس التعاون والتوازن مع الفصل في الاختصاص والسلطات بين السلطتين وهو النظام الذي تبناه مملكة البحرين الجديد.  

الأسس القانونية التي يقوم عليها النظام البرلماني:

الثابت من استقراء وتحليل دساتير معظم دولة العالم التي تبنَّت النظام البرلماني أن الأسس القائم عليها النظام البرلماني تتلخَّص في عدد من العناصر:

1.    وجود برلمان منتخب من الشعب لممارسة السلطة التشريعية والرقابة المالية والسياسية على أعمال الحكومة أو السلطة التنفيذية0

2.    ثنائية السلطة التنفيذية، وجود حاكما للدولة قد تكون رئيساً أو ملكاً وبجانبه رئيس مجلس الوزارة وفي هذه الحالة فإن رئيس الدولة أو الملك لا يسأل عن أعمال الحكومة باعتبار أن "الملك يسود ولا يحكم" وبذلك تقررت قاعدة أساسية مفادها عدم مسئولية رئيس الدولة أو الملك سياسياً واعتبار ذاته مصونة لا تمس، وفي مقابل ذلك تكون المسئولية على عاتق مجلس الوزراء مجتمعا أو منفرداً.

3.    وجود وزارة  مسئولة سياسياً عن أعمالها أمام البرلمان، تعتبر الوزارة في النظام البرلماني المحور الرئيسي الفعال في ميدان السلطة التنفيذية إذ يقع عليها أصلاً عبء ممارسة السلطة الحقيقية، ولعدم مسئولية رئيس الدولة والملك ، فان الأمر استلزم وجود شخص أو هيئة تتحمل الآثار المترتبة على أعمال الدولة وممارسة السلطة التنفيذية لسلطاتها وصلاحياتها، وحيث توجد السلطة المسئولة، وباعتبار أن مجلس الوزراء هو الهيئة التي تتخذ القرارات ووضع البرامج عنها أمام البرلمان وتحل محل المسئولية الفردية أو التضامنية أمام البرلمان.

4.    قيام علاقة بين كل من السلطة التنفيذية والتشريعية قوامها التعاون فيما بينهما والرقابة المتبادلة وفقاً لأحكام الدستور، وتنحصر علاقة السلطتين فيما بينهما فيما يلي:

1.تستطيع السلطة التنفيذية المساهمة حصرياً في الوظيفة التشريعية  باقتراح ومناقشة القوانين على أن مهمة التصديق والإقرار تكون من الإختصاصات الأصلية للسلطة التشريعية الممنوع على السلطة التنفيذية مشاركتها فيه عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات وعدم جواز تنازل سلطة عن اختصاصاتها لسلطة أخرى وفقاً لما نصت عليه المادة (32) من الدستور الجديد.

2.للسلطة التنفيذية حق حل البرلمان قبل نهاية المدة القانونية المقررة، وذلك إذا احتدم الخلاف بين الحكومة والبرلمان، وهذا أخطر أنواع الرقابة من جانب الحكومة للسلطة التشريعية، إلا أن ذلك يقابله من جهة أخرى المسئولية الوزارية المقررة للبرلمان.

3. على البرلمان حصر طرح موضوع هام للمناقشة وتوجيه الأسئلة والإستفسار لأعضاء الوزارة كما يملك حق استجواب الوزراء وتشكيل لجنة من أعضائه مهمتها تقصّي الحقائق في موضوع معين.

رقابة السلطة التنفيذية في مواجهة السلطة التشريعية:

في معظم الديمقراطيات العريقة يتكون البرلمان بالإنتخاب حيث يلعب الشعب بصفته مصدر السلطات الدور الأساسي في اختيار ممثليه، إلا أنه يلاحظ على الدستور الجديد أنه وضع بعض الضوابط والقواعد التي مكّن من خلالها السلطة التنفيذية ممارسة دور الرقابة على السلطة التشريعية وذلك من خلال:

1.    مجلس الشورى المعين من قبل السلطة التنفيذية استناداً لحكم المادة(52) من الدستور، يجعل من هذا المجلس أداة تابعة للسلطة التنفيذية في سير العمل البرلماني.

2.    حق الحكومة في حل المجلس الوطني: يعد حق الحل من أهم أنواع الرقابة من جانب السلطة التنفيذية في مواجهة السلطة التشريعية، وهو يقابل حق سحب الثقة المقررة للسلطة التشريعية في المادة(66-67) من الدستور. علماً بأن حق الحل لا يعد سلطة في يد السلطة التنفيذية تستخدمها كلما أرادت في مواجهة المجلس الوطني، بل هو أسلوب لا يمكن اللجوء إليه إلا إذا احتدم الخلاف بين المجلس والحكومة، فيتم الإلتجاء إلى الشعب مصدر السلطات لاختيار من ينوب عنه مرة ثانية حتى يكون  هناك توافق بين السلطات الدولة المختلفة.

3.    باعتبار أن المجلس المعين هو تابع للسلطة التنفيذية وله حق التدخل في التشريع مع السلطة المنتخبة فإن ذلك يمثل إخلالاً بمبدأ فصل السلطات الثلاث وذلك بالمخالفة لنص المادة(32) من دستور البحرين.

4.    ربط الحياة النيابية بعد حل المجلس الوطني بالسلطة التنفيذية، حيث أعطى الدستور الحق للملك بتأجيل إجراءات انتخابات المجلس الجديد بعد الحل إذا كانت هناك ظروف قاهرة يراها مجلس الوزراء(المادة64)، وقد خلى النص من بيان الأسباب القاهرة مما يجعل هذا النص ذات صيغة معومة يمكن اللجوء إليها تحت كل الظروف.

نص المادة(120 ومع تطوير العملية الديمقراطية:

لقد نصت الفقرة(ج) من المادة(120) على "عدم جواز اقتراح تعديل المادة الثانية من هذا الدستور... وكذلك نظام المجلسين ومبادئ الحرية والمساواة المقررة في هذا الدستور". إن اقتراح منع تعديل نظام المجلسين لا يتفق مع منطق التطور الزمني ونضج العمل الديمقراطي ومستوى وقدرات الشعب البحريني، كما لا يتماشى مع منطق العصر القائم على الإنفتاح الإقتصادي والإجتماعي وانتشار الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وعولمة الشأن الإنساني. إن الحياة النيابية ومشاركة الشعب استناداً لحكم الدستور باعتباره مصدر السلطات جميعاً، لهو أمر في غاية الأهمية ومن المسلمات الأولية في المجتمعات الحديثة التي تعتبر الحياة النيابية فيها مرآة عاكسة لدرجة تطور ونمو المجتمع. فإذا كان نظام المجتمع بتركيبته الحالية وفقاً للصياغة التشريعية للدستور ملائمة مع ما تشهده المملكة من انفتاح على العالم تحت الإتفاقيات الإقتصادية والتجارية وما تشهده المنطقة على وجه الخصوص والعالم من تغيرات في البنية السياسية والفكرية.

القيمة القانونية للمراسيم الصادرة فترة حل المجلس الوطني:

بالرجوع إلى المرسوم الأميري الصادر بحل المجلس استناداً لنص المادة(65) من الدستور، إدماج السلطتين التشريعية والتنفيذية في يد الحكومة، وقرار الحل في الواقع أوجد" وثيقة دستورية جديدة" أسندت وظيفة المجلس الوطني لسلطة جديدة ليس لها أساس من الدستور.

وهنا يجب التفرقة بين القوانين التي اقتضى صدورها قيام حالة الضرورة التي تتطلبها المادة(38) من الدستور، باعتبار أنها مراسيم تزول بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون في حالة رفض المجلس الجديد لها باعتبارها من التدابير التي لا تتحمل التأخير لمواجهة حالة الضرورة.

بينما المراسيم الصادرة في حالة حل المجلس وغياب الحياة البرلمانية فهي تستمد  أساسها من الأمر الأميري الصادر بحل المجلس، لا من نص المادة(38) من الدستور، وبالتالي فإنها لا تخضع لرقابة المجلس الجديد باعتبار أنها لا تخضع لأحكام الدستور ولم تكن عملاً بأحكامه، وبالتالي تعتبر قوانين قائمة بذاتها ونافذة من تأريخ صدورها باعتبارها صادرة من سلطة فعلية ممثلة بأمير البلاد انعقدت له السلطة التشريعية دون أن يتأسس ذلك على المادة(38)، ويتطلب تسويتها التعاون المشترك بين السلطة الحكومة والمجلس في المرحلة المقبلة وإن إقرارها أو عدم  إقرارها من المجلس لا يغير من طبيعتها كقوانين صادرة من سلطة تستمد أساسها من وجوب المحافظة على كيان الدولة ووحدتها واستقرار المركز القانونية وينتهي القضاء في بعض الدول إلى رفض الدفع بعدم دستورية مثل هذه القوانين.