حديث الجمعة 7/9/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.

مولد الزهراء:

أيها الأحبة: سلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد: فقد قال الله تعالى: (( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)).

سبق وأن تكلمنا في الأسبوع الماضي على ضوء الآية المباركة وانطلاقاً منها، وعشنا في رحاب الزهراء (ع)، ومع ذكرى مولدها الطاهر، ولازلنا نعيش أسبوع هذا المولد العظيم. وسيكون حديثنا هذا الأسبوع أيضاً وكما وعدنا عن مولد الصديقة الزهراء (ع) رائدة المرأة والمثال الكامل الذي قدمه الإسلام للعالم من أجل السير على نهجه وخطه العظيم، لما امتلكت الزهراء (ع) من صفات عظيمة تؤهلها لأن تكون في هذه المرتبة الرفيعة.

دور بنات الزهراء:

أيها الأحبة: في الأسبوع الماضي تحدثنا عن بنات الزهراء وعن الدور الذي ينتظرهن في هذه المرحلة، وقلنا أن هناك غياباً أو تغيباً للمرأة ينبغي أن يُعالج بصورة جدية. واليوم نتناول سبباً آخر نعتقد أنه ساهم في تغيّب المرأة، وهو: الخطاب الثقافي والسياسي.

فالبعض طرح خطاباً تعجيزياً فصل هذا الخطاب بين الزهراء (ع) وما قامت به من أدوار وبين المرأة التي لا تستطيع القيام بتلك الأدوار في نظره بحجة واحدة فقط وهي أن الزهراء معصومة، من دون أن يفرّق هذا الخطاب في تلك الأدوار، فساهم هذا الخطاب في عزل النساء عن مثلهن الأعلى وقيادتهن العليا، فرسخ في أذهان الآباء والأمهات استحالة قيام المرأة بدورها الاجتماعي والسياسي، وبالتالي عطّل نصف المجتمع عن القيام بواجبه.

والبعض الآخر طرح خطاباً رجالياً لا دخل للمرأة فيه، فهي في نظره المتلقية والتابعة والمتعلمة على يد الرجل حتي في خصوصياتها. هذا الخطاب ولاشك ساهم في تجميد عقول النساء وجعلهن دائماً ينتظرن مبادرة الرجل.

أيها الأحبة:

وهناك خطاب وخطاب، ولكننا لا نريد تلك الخطابات، ولا نريد خطاباً مائعاً تحررياً من كل قيد وشرط يتاجر بعفاف المرأة وأخلاقها، ولكننا نريد خطاباً إسلامياً عملياً منفتحاً يسمح للمرأة بالقيام بواجباتها مع الالتزام بأحكام الشرع الإسلامي الذي أختارته بقناعة من دون إجبار أو إكراه.

أجل نريد هذا الخطاب، ونريد امرأة غير جاهلة، فيجب أن تتعلم وتتخصص.

ونريد امرأة واعية، فينبغي أن تمارس دروها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

نعم، نريد خطاباً يطرح الزهراء طرحاً عملياً ممكناً، كما عاشت مع أبيها وتعلمت منه أخلاقاً في السلوك، وروحانية في العبادة، وعمقاً في الفكر، وصبراً وجهاداً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أيها الأحبة:

إن تهيئة الأجواء الصحية الصالحة هي مسئولية الجميع: الحكومة، والمؤسسات، والأسرة. أسأل الله أن يوفق الجميع لذلك البعد المخلص.

البطالة:

ولي هنا وقفتان من البطالة:

الوقفة الأولى:

وفي هذه الوقفة لي تعليق حول قرار وزارة التربية توظيف 539 مدرس ومدرسة بداية العام الدراسي القادم، والباقي خلال ثلاثة أشهر والعدد كله من أصل 900 متقدم يطالب بالعمل.

ولا أريد أن أتحدث عن موضوع اعتصام المدرسين عند مبنى الوزارة يوم السبت الفائت، لكني أود أن أشكر الوزارة على الخطوة التصحيحية والعملية التي اتسمت بالشفافية، حيث حدّدت عدد المتقدمين، وذكرت أسماء الذي ستوظفهم في الفصل القادم، كما يعطي القرار مصداقية وجدية كبيرتين، عكس ما كنا نسمعه في السابق من قرارات تسويفية تظهر فقط على صفحات الجرائد.

هذا وأرجو ويرجو كل مواطن أن تبادر الجهات المختصة إلى التوظيف وحل المشكلات دونما انتظار إلى تجمعٍ أو مسيرةٍ أو احتجاج.

الوقفة الثانية:

 أرجو أن ينعكس هذا القرار العملي على خطوات استكمال إجراءات التوظيف، والتي منها استخراج البصمات، والتي نسمع الكثير من الشكاوى حولها، خصوصاً طول المدة التي تستغرقها حتى الحصول على الرد، والتي ربما تكون مفهومة في الفترة السابقة.

إلا أنه الآن ينبغي أن يقوم المسئولون باتخاذ خطوات تسهيلها، تيسيراً للأمور، وتعجيلاً في إنهاء المعاملات، وقد قال صاحب الرسالة (ع): "رحم الله من عمل عملاً فأتقنه".

مؤتمر دربان:

وأقف مرة أخرى عند هذا المؤتمر لأهميته، خصوصاً في هذا الوقت العصيب الذي تعيشه الشعوب المستضعفة والمقهورة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني.

وأهمية هذا المؤتمر أُلخصها في النقطتين التاليتين:

1.                  أنه أظهر إجماعاً عالمياً وشعبياً ضد إسرائيل وعلى اعتبارها شكلاً من أشكال العنصرية بما ترتكبه يومياً من مجازر بحق الشعب الفلسطيني. فقد اتهم منتدى المنظمات الغير الحكومية المكون من ثلاثة آلاف من المنظمات الإنسانية والحقوقية اتهم إسرائيل بأنها دولة ترتكب بطريقةٍ منظّمة جرائم عنصرية. ويعتبر هذا الإنجاز وثيقة تأريخية شارك في تحقيقها كل إنسان عادل محب للخير.

2.                  إن هذا المؤتمر أفرز وكشف بشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض عن تلك الدول التي تتشدّق بالدفاع عن حقوق الإنسان، بينما هي في الحقيقة داعمة ومؤيدة بشكل مطلق لإسرائيل وكلِّ تصرفاتها وممارساتها العنصرية الفاشية.

ففي الوقت الذي أدان العالم كله إسرائيل انسحبت أمريكا وإسرائيل احتجاجاً على ذلك، فماذا يعني هذا الانسحاب؟!

هل يعني أن أمريكا تقف مع إسرائيل بلا قيد أو شرط حتى ولو كان الموقف يضرّ بمصالحها ويلوّث سمعتها؟!

والآن نسمع أن الدول الأوروبية تهدد بالانسحاب إذا لم يُغيّر البيانُ الختامي. فما هذا الموقف؟!

نحن –أيها الأخوة والأخوات- نقف مع الوفود العربية والإسلامية في المؤتمر ومع إصرارها على عدم التنازل للضغوط الأمريكية والأوروبية.

نحن نقول للوفود العربية والإسلامية هذا أقل ما يمكن أن تقدمونه للمجاهدين في القدس دعماً لقضيتهم وقضيتنا قضية الأمة

لقد نجح المؤتمر في توحيد صفوف العرب والمسلمين والآسيويين والأفارقة ضد التمييز والعبودية والعنصرية.

لقد نجح المؤتمر في فرز إسرائيل ومن يقف معها، ونقول لهم أن هذا الموقف غير عادل وغير منطقي.

وأخيراً لابد أن أشير لرجل الأعمال السعودي الذي تبرّع بستة ملايين دولار لدعم الفلسطينين والقضية المقدسة، وهذا موقف يستحق الإشادة والشكر.

فالانتفاضة كما تحتاج للدعم ا لسياسي والإعلامي تحتاج للدعم المادي.

وتحتاج أيضاً للدعم الشعبي، فـ" مؤتمر دعم الانتفاضة" المنعقد في بيروت يصب في هذا المجال.

وختاماً:

أود أن نتوجه إلى الله سبحانه داعين ضارعين: "اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله، وغيبة وليّنا، وكثرة عدوّنا، وقلّة عددنا، وشدة الفتن بنا، وتظاهر الزمان علينا، فصل على محمد وآله، وأعنا على ذلك بفتح منك تعجلّه، وبضّرٍ تكشفه، ونصرٍ تعزه، وسلطان حق تظهره، ورحمة منك تجللّناها، وعافية من تلبسناها، برحمتك يا أحم الراحمين".

وإلى شهداء الإسلام، وجميع أموات المؤمنين والمؤمنات، نقرأ الفاتحة تسبقها الصلوات. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.