حديث الجمعة 4/5/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. قال الله تعالى ((وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)). البقرة 143. أيها الأخوة والأخوات أيها الأبناء والبنات: سلامٌ من الله عليكم ورحمة وبركات.

أيها الأحبة:

سيكون بحثنا اليوم ضمن أبحاثنا على ضوء الآية المباركة في ملمحٍ آخر من ملامح البرنامج الوسطي، وهو مبدأ الحوار بادئين بمقدمةٍ تمهيديةٍ للبحث فنقول:

الحوار ملمحٌ مهمٌ من ملامح الخط الوسطي، والحوار يعني مواجهة الفكر بالفكر والحجة بالحجة بعيداً عن لغة العنف والقوة والعضلات.

وهو الأسلوب الحضاري، والطريق الأفضل، والنهج الأقوم لعرض ما يراه الإنسان صحيحاً، وإقناع الآخرين به.

طبعاً الأسلوب المقابل والمضاد للغة الحوار هو لغة العنف والقوة والعضلات، وهي لغةٌ لا وجود في ظلها للقناعة النفسية والحرية الفكرية، ولا قيمة واقعية للغلبة على أساسها، لأنها لغة العنف والقهر.

بينما الغلبة على أساس لغة الحوار هي غلبة المنطق والفكر والحجة.

ولغة العنف والعضلات لا تمتلك القدرة على زرع فكرة أو مبدأ في نفس الطرف المقابل، ولم تستطع هذه اللغة عمرها حمل الإنسان على مبدءٍ او نظرية، بل إن من اعتنق مبدأً أو فكرةً في ظل لغة القوة يتراجع عنه في أول فرصةٍ مؤاتية، بينما من اعتنق مبدأً أو ديناً في ظل لغة الحوار تزول الجبال ولا يزول، لأنه اعتنقه على أساس الاقتناع به.

والذي تسجله الأحداث والأرقام هو أن ما يدفع ويقهر الطرف الآخر للتخلي عنه من الفكر بالقوة والعنف تكون النتيجة عكسية حيث يشتد تمسكه به وحرصه عليه.

الحوار القرآني يمثّل أعلى درجات الحرية الفكرية وأقوى صور الإقناع، وأكبر دلائل الانتصار الحقيقي.

القرآن يعلمنا أن نبتعد في حوارنا عن الأجواء الانفعالية، عن الشتائم وإلصاق التهم بالآخرين دون وجه حق. إنك لا تجد في آيات القرآن استخداماً للألفاظ السيئة في وصم الآخرين، بل هناك المنطق والحجة والدليل وتحكيم العقل وتحريك الكوامن الخيّرة في النفس البشرية.

القرآن يعرض لنا أدباً راقياً، فهو يحثنا أن نتحاور للوصول للحقيقة حتى مع الكفار بدون أن نضع العقبات في طريق هذا الحوار، فالآية الكريمة على لسان رسول الله(ص) وهو يجاور كفار قريش الذين سجلوا أعلى الأرقام في معارضته ومحاربته والتشهير به وتكذيبه بما لم يسبق له نظير، تقول الآية: ((وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)). فهنا دعوةٌ للجلوس مع الآخر من أجل الوصول إلى حل، لا يجب أن يدّعي أحدٌ منّا أنه يملك الحقيقة كل الحقيقة فيما الآخر يمثل الضلال كله، بل تعالوا نجلس معاً لنصل إلى تفاهم. هل منّا من يمثّل هذا النهج القرآني في حياته؟ في أسلوبه في التعامل مع الآخرين؟

كما أن القرآن في مواجهة التهم الباطلة التي قد يتعرض لها صاحب الفكرة وحامل الدعوة، يحث الآخرين على مواجهة الأمر بتعقّل وتدبّر دون الانسياق مع الإشاعات المضللة. فحينما اتـُهِم الرسول (ص) بالجنون قال القرآن: (( قل إنما أعظم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة)). فهو يدعوهم إلى استخدام الفكر وتحكيم العقل فهل هو مجنون؟!

نعم هكذا يجب أن نواجه الأجواء المليئة بالإشاعات التي تريد أن تغتال الشخصية من خلال إلصاق التهم المقززة به، أو تغتال الفكرة من خلال تشويهها، أو الطرح من خلال تزييف.

إن القرآن يقول - لماذا أنتم تهتفون مع الهاتفين وتصفقون مع المصفقين، لماذا لا يفكر الواحد والإثنان معاً ويصلوا إلى قناعة إن كان هذا الوضع وهذا الكلام حقاً أو باطلاً؟.

القرآن أيضاً يطرح مبدءاً راقياً بقوله: ((قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله)).

هنا القرآن يوضح بأننا بإمكاننا البحث عن مواضع اللقاء وعن الاتفاق عليها والانطلاق في الحوار من خلالها، فمع أهل الكتاب هناك الاتفاق على العبودية لله وعدم الشرك به وعدم اتخاذ أرباب من دونه

وبيننا وبين كل الفصائل والأفكار على الساحة مساحةٌ للقاء، مساحةٌ متفقٌ عليها، يجب أن ننطلق منها، نؤكد على بعض الثوابت التي لا يختلف عليها اثنان، نختلف في الخصوصيات لكل تيار، ونتفق على الثوابت التي ناضل من أجلها الجميع.

نعم، هذه هي المنهجية التي يطرحها القرآن للحوار وللتعامل مع الرأي الآخر، أنه يريد أن نحكّم عقولنا لا عواطفنا، أن نتحاور بموضوعية وعقلانية بعيداً عن السباب والشتائم وإلصاق التهم، وقد وجّهنا أمير المؤمنين (ع) إلى ذلك بقوله: "إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر".

فلننطلق أيها الأحبة مع هذه الأجواء الرحبة للحوار كما يريدها القرآن لنؤسس لمنهجٍ حضاري متقدم، ولندفع بالعمل الإسلامي والوطني خطواتٍ واسعةٍ إلى الأمام وليرى الناس فينا الموضوعية والرشد لنكون إسلاميين في القول والعمل.

تحدثنا في الإسبوع الماضي عن لقاء سمو الأمير مع الصحفيين الذي كان باعثاً للانفتاح والتعبير عن الرأي بصورة واضحة، شاكرين ما تم من خطوات إصلاحية هامة ومؤيدين المطالبة بما لم يتم بعيداً عن التشنج والمزايدات.

إن الاختلاف مع الحكومة في أي أمرٍ من الأمور لا يعني وجوب السكوت، والسلبية، والالتزام بالصمت، وإبداء التذمر، بل على العكس من ذلك، يجب أن يدفع نحو المزيد من الحوار والمصارحة لإزالة حالة التشاؤم والتأكد من عدم عودة الأجواء السابقة والمحافظة على المكاسب الوطنية والدفع نحو المزيد منها بأسلوب حضاري رزين.

ولقد ضمني وسمو الأمير حفظه الله يوم الأثنين 30/4/2001م اجتماعٌ حاص تداولت فيه مع سموه لفيفاً من الهموم التي يعيشها المواطن في هذه المرحلة، وقد تفاعل سموه مع مجمل هذه القضايا والنقاط المثارة تفاعلاً إيجابياً، ووعد بأنه سيعمل على إعداد برنامج فاعل لمساعدة العوائل الفقيرة، كما تم تداول موضوع التغيير الوزاري الأخير، وقد أكّد سموه أنه سيكون مراقباً لأداء المسئولين عن كثب.

ولا يفوتني هنا أن أشكر سمو الأمير وسمو رئيس الوزراء على الإجراءات التي تم الإعلان عنها خلال هذا الأسبوع لمعالجة مشكلة البطالة خاصة بالنسبة للجامعيين، وأرجو أن تتكاتف الجهود من أجل التخفيف من هذه المشكلة المكدرة لخواطر الكثيرين من أبناء هذا الشعب العزيز. وأؤكد على أن حل هذه المشكلة يحتاج إلى الكثير من الجدية والمتابعة والمحاسبة من قبل المسئوليين.

أيها الأحبة:

إن الإصلاحات التي نتطلع إليها جميعاً لا تقضي طبيعة الأمور بأنه يمكن أن تُنجز بين عشية وضحاها، وإنما تحتاج إلى ما يتناسب معها من ظروف زمانية وسياسية واقتصادية، وعلى الرغم من كل ذلك فأملنا أن لا تطول هذه الفترة، والله ولي التوفيق وهو وحده المسدد والهادي للصواب.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.