حديث الجمعة 15-محرَّم 1423هـ /29-3-2002م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع)القفول -المنامة
بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين،وأصحابه المنتجبين،والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. وبعدُ: فإنَّ الإمام الحسين(ع) يوم عاشوراء بعد أن استشهد أصحابه وأهل بيته(ع) وبقي وحيداً فريداً، أطلق نداءً سمعه الحاضرون، قال(ع):{ أما من ناصرٍ ينصرنا؟ أما من ذاب يذبُّ عنَّا؟ أما من مُغيثٍ يُغيثنا؟.ونحن اليوم- أيها الأحبَّة- حيث إنَّنا لا زلنا نعيش الذكرى الحسينية، وفي رحابها أرى أن نتكلَّم حول هذا النداء الذي أطلقه الحسين(ع)، مطالباً بالنصرة، والذبِّ، والإغاثة، متسائلين: ماذا أراد الحسين(ع) بهذا النداء؟ وما هي القضية التي أراد نصرها؟ هل أراد من ينصره ويرد السيوف والسهام عنه يوم كربلاء فقط؟ أم أنَّه أراد أمراً أعمَّ وأكثر بُعداً من هذا ؟ يسعنا أن نقول أنَّه أراد أمراً أكثر بُعداً وأشمل وأعمّ من نصره يوم كربلاء، لذلك نقول: إنَّ نداءه(ع) ليس نداءً آنياً أو وقتياً، بل هو نداء للحياة كلّ الحياة، وللتاريخ كلِّ التاريخ، ولكلِّ من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..... كما أنَّه ليس نداءً شعارياً فارغاً من المضمون، إنَّه نداء يرفع شعار العدل والكرامة والحرية، وأنَّ الشعارات الفارغة من المضامين السياسية، والإجتماعية، والإصلاحية لا وجود لها في ثورة الإمام الحسين(ع). أجل إنَّه نداء يطلب الحسين(ع) به النصر لقضية الحقّ ضد الباطل، قضية إزالة الفساد ومواجهة التحدّيات، قضية إعلاء كلمة الحق، قضية المظلومين والمحرومين والمستضعفين والمسحوقين، قضية الدفاع عن الحق ومحاربة الضلال، ومحاربة الفساد. ولقد تعرَّض الإمام الصادق(ع) لهذا النداء في الزيارة المأثورة،معلناً ضرورة الإستجابة القلبية التي يترتَّب عليها الموقف العملي،حيث قال:{إِنْ كانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَني عِنْدَ اسْتِغاثَتِكَ وَلِساني عِنْدَ اسْتِنْصارِكَ، فَقَدْ أَجابَكَ قَلْبي}. ونتساءل الآن أيضاً: هل لبينا نداء الحسين(ع)؟ هل وقفنا إلى جانب الحق؟ هل حاولنا تغيير مواطن الفساد التي نعيشها؟ أم وقفنا إزاءها موقف المتفرِّج؟ أم ساهمنا في تكريسها بطريقةٍ أو بأخرى؟ إذا لم نلبِّ نداءَ الحسين(ع) الذي يُمثِّل الرسالة الكبرى، واكتفينا بالبكاء وحده، أو بإجراء الدموع فقط للمأساة فقد حوَّلنا قضية الحسين(ع) إلى طقوس جامدة تشلُّ حركة الإنسان، وإذا كان تفاعُلُنا مع الذكرى قد انتهى بانتهائها فإنَّنا لم نتعلَّم من الحسين(ع) شيئاً ولم نُجب نداءَ الحسين(ع). إنَّنا وقد عشنا ذكرى الحسين(ع)، وعرفنا عن نداء الحسين(ع) لَتَقَعُ علينا مسئوليات جسيمة....حيث يجب أن ننطلق من هذه الذكرى نحو رفع معنويَّاتنا في مواجهة أعداء الأمَّة الذين يتربَّصون بنا الدوائر، جاعلين عاشوراء الحسين(ع)، ونداء الحسين(ع) المَعين الذي يرتوي منه المجاهدون، ويستلهمون منه العزيمة على المواصلة للدرب وعدم الرضوخ للباطل، ودعاة الباطل... ومتعلِّمين من الحسين(ع)، وموقفه وندائه الثبات على الموقف، وعدم التنازل، والثقة بالنفس، واعتقاد أنَّ النصر آتٍ ولو بعد حين. هذا وإنِّي أُقرِّر أن وراء هذا النداء ووراء عاشوراء، ووراء الروح الحسينية الجبَّارة، والموقف الحسيني العظيم، وراء ذلك قوافل الشهداء في لبنان وفلسطين، أجل في فلسطين ولبنان تجلَّى الصدى الحسيني والآثار الحسينيَّة، حيث رأينا كيف ينطلق المجاهدون الفلسطينيون والّلبنانيون بحجارتهم وأسلحتهم البسيطة ليقابلوا أعتى جيوش العالم، ورأينا كيف ينطلق الشاب فيزرع الرعب في قلب الجندي الصهيوني المُتترِّس في دبَّابته ومُصفَّحته، ورأينا كيف انهار ذلك الوجود العسكري في لبنان الذي كان يراد له التأسيس لوضع جديد يُخضع المنطقة بكاملها لهذه الدولة اللقيطة، وها نحن اليوم نشهد عظم التضحية في فلسطين، وها هو الإستشهادي ينطلق إلى عمق خطوط الصهاينة المجرمين فيزرعَ الرعب في قلوبهم. وغريب جداً أن يقف البعض موقفاً سلبياً أو مُشكِّكاً في شرعية العمليات الإستشهادية، وقد اتّضحَ بأن لا شيء يربك الصهاينة المحتلّين ويُدمِّر كبريائهم ، إلا هذه العمليات، وأن يكون للشك في مشروعيتها مجال أو مكان بعد أن رأينا التاريخ يُحدِّثُنا بكلِّ صراحة وبلغة جماعية عن مبيت علي أمير المؤمنين(ع) في فراش النبي(ص)، وهو ينتظر أن يُستشهد في كلِّ لحظةٍ تمر، نداء الرسول(ص) حيث أنَّ المؤامرة من قريش قد حيكت على قتل صاحب الرسالة(ص)، وقد أشاد القرآن الكريم بهذا الموقف العظيم في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة:207). وكيف يكون للشك في مشروعيتها مجال بعد أن رأينا الحسين سيد الشهداء(ع) يقف بعدد يسير أما دولة عتيَّة عتيدةٍ بكامل قوَّتها، ألم يكن هو وأهل بيته(ع) وأصحابه مُهدَّدين بالموت في كلِّ لحظة؟
قضيتنا المركزية:
أيها المؤمنون والمؤمنات: ولنا وقفة عند قضيتنا المركزية التي تمرّ اليوم بأشدّ المراحل خطورةً وأكثرها صراحةً.
بالأمس انتهت أعمال القمَّة العربية، وتمَّت المصادقة على مبادرة ولي العهد السعودي. بدايةً أقول: لا نشك في إخلاص بعض القادة العرب الذين يعملون بجدّ لوضع الحلول المناسبة لقضيتنا المركزية، ولكن لي بعض الملاحظات حول القمَّة والمبادرة دون الدخول في التفاصيل.
1. إلى من تُقدَّم هذه المبادرة رغم تواضعها؟ فالعدو الصهيوني رفضها من اليوم الأوَّل،واعتبرها تهديداً لأمن إسرائيل.!! والخوف كلّ الخوف أن يُستدرج العرب للتطبيع قبل الإنسحاب، وتُفرَّغ المبادرة من محتواها كما فعلوا بالمبادرات السابقة، وتدخل بعد ذلك ضمن سلسلة التنازلات السابقة.
2. من هو الوسيط الذي يمكن الإعتماد عليه؟ هل ما زالت أمريكا وسيطاً!! هل يمكن اعتبارها وسيطاً نزيهاً بعد كلّ الإنحياز الأعمى للعدو؟!!! ألا ينبغي أن يكون لنا موقف واضح فيها؟!!!
3. وماذا لو رفض العدو الصهيوني؟ ما هو البديل؟ هل سيكون هناك مبادرة أخرى؟ أم سيكون تقديم الدعم الواسع للإنتفاضة؟
فالرد على المبادرة جاء سريعاً من العدو، فاليوم اجتاح العدو رام الله وما زال يعبث ويقتل ويهدم، فما هو الرد العربي؟
نقول: هذا عدو، والعدوّ والمحتل لا يفهم لغة المبادرات، والمفروض أن يكون هناك دعم واضح للإنتفاضة، دعم شامل، وخصوصاً ونحن نعيش عشية يوم الأرض. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.وإلى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد.