حديث الجمعة 28/9/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: أيها الأحبة فنحن نعيش اليوم وإياكم ذكرى ولادة إمام المتقين وقائد الغرِّ المحجَّلين ابن عم الرسول وزوج البتول أمير المؤمنين أب الحسن والحسين علي بن أبي طالب عليه السلام، فمن أين نبدأ الحديث، والحديث عنه (ع) واسع مترامي الأطراف؟ هل نبدأ الحديث عن شجاعته ومواقفه البطولية، بدءا بمبيته في فراش ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وآله، مروراً بصولاته وجولاته في بدر وأحد والخندق وخيبر؟! أنتحدث عن فصاحته وبلاغته، أم عن زهده وعبادته؟ أم عن عدله حين حكم، وعفوه حين انتصر، وصبره حين واجه التجاوزات والتحديات؟ كلها جوانب عظيمة ومشرقة!! فمن أين نبدأ؟
أيها الأحبة:
هذا حديث صعب، لكن تعالوا نتصفح حياته من ولادته حتى استشهاده.. ولو بشكل سريع..تعالوا نستمع إليه في نهج البلاغة، هذا السفر الذي يمثل بعد القرآن أعظم وثيقة للّغة العربية والفكر الاسلامي، حيث ترتقي اللغة والفكر إلى أوجهما في الشكل والمضمون، هذا السفر الذي يبين الجانب الفكري والروحي في حياة الإمام (ع)، هذا السفر الذي لم تتمخض العصور عن كتاب بعد القرآن أروع ولا أنفع منه, هذا السفر المنسيّ عندنا، والمغيّب عن أسماعنا وأبصارنا.
تعالوا أيها الأحبة نتعلَّم كيف روَّض الإمام نفسه فلم يغتر بزخارف الدنيا ولذاتها قائلا :(( اغربي عني فوالله لا أذلُّ لك فتستذليني، ولا أُسلس لك فتقوديني، وأيم الله لأروضن نفسي رياضة تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما))، ((يا صفراء يا بيضاء، اليك عني، غري غيري، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك)).
أيها الأحبة: لم يقل الإمام هذا عن عجز أوفقر، بل قال((ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفَّى هذا العسل ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي أو يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع. أأقنع من نفسي ، أن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش)).
أيها الأحبة: هذا إمامنا كما يقول عن نفسه. انظروا كيف يحاسب نفسه حتى لا يقع في ظلم، يقول(( والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا, وأجر في الاغلال مصفدا أحب الي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد أو غاصباً لشيء من الحطام))، (( والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت. و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها. ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى! نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين)).
أيها الأحبة: ما أحوجنا اليوم لهذه الكلمات الصادقة وهذه النصائح المخلصة من إمام نذر نفسه لله ، خصوصا ونحن نعيش ذكرى ولادته. فلنجعلها ذكرى نستخلص منها العبر، ونستوعب منها الدرس، ولا نجعلها ذكرى تمرُّ علينا مرور الكرام بلا تحليل و لاتدقيق.
أيها الأحبة: وانني من هذا المنبر المقدس أوصي نفسي وأوصيكم بالإهتمام بنهج البلاغة، هذا التراث العظيم الذي خلَّفه لنا الإمام(ع). فلا تضيعوه ولا تنشغلوا عنه. تدارسوه وتدبروه، ففيه وصايا الإمام وأقواله وخطبه ومواقفه.
الذكرى الاولى لانطلاقة الانتفاضة
واليوم نعيش الذكرى الاولى لانتفاضة الأقصى، والسؤال الأول بالطبع: ماذا حققت هذه الانتفاضة؟
بعض البائسين يتحدث بسلبية مشيراً إلى أنَّ الانتفاضة خلَّفت في سنتها الاولى مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين، ولم تحقق شيئا. وغاب عن هؤلاء، بل تناسوا ، ففي هذا اليوم تمر عشر سنوات على اجتماعات مدريد، وسبع سنوات على اتفاق أوسلو. والسؤال الحقيقي: ماذا حققت هذه الإجتماعات؟ وإني أُجيب على ذلك بالآتي: أعطت اعترافاً شرعياً باسرائيل في حقِّها في الأرض. تنازلت وفرَّطت في حقوق الأجيال. مزَّقت الوحدة الوطنية!! وأعطت أعذاراً لبعض الأنظمة العربية بالتقاعس.
أبعدت العالم العربي والإسلامي عن الإهتمام بالقضية المركزية، وصوَّرتها أنها قرار فلسطيني خاطيء.
هذا الذي قدَّمته تلك الإجتماعات.. تنازل يتلوه تنازل، وضياع يتلوه ضياع.
انظروا ماذا حدث بالأمس حين اجتمع ياسر عرفات ببيريز.. تأجل هذا الإجتماع خمس مرات ، وحين انعقد ماذا كانت نتائجه؟ قدم بيريز (108) أسماء مطلوبين لأنهم في نظر إسرائيل إرهابيون!!!
وفي اليوم التالي أقدمت إسرائيل على مجزرة أخرى في رفح اذ قتلت فيها خمسة شهداء وجرحت 36 وهدمت البيوت!!! هذه نتائج الاجتماعات الفاشلة.
أما الإنتفاضة فإنجازاتها:
إنها أسقطت أوهام التسوية وكشفت للعالم أجمع إسرائيل عنصرية مجرمة. ولذلك وقف العالم الحر في مؤتمر دربان ضد اسرائيل ومن معها في أكبر فضيحة وأقوى صفعة لها.
إن الانتفاضة وحَّدت القوى الوطنية الفلسطينية حول مشروع المقاومة، وزرعت الآمال في إمكانية الإنتصار كالذي حدث في جنوب لبنان.
إن الإنتفاضة أثبتت أنها قادرة على تسديد ضربات موجعة للعدو،وخلقت على الأقل توزاناً للرعب أفقد العدو صوابه.
إن الإنتفاضة حرَّكت الشارع العربي، وأعادت تفاعله مع القضية المركزية، وحتى الخطاب الرسمي العربي وظَّف بصورة جيدة أفضل من السنوات الماضية.
نعم هناك بعض النقاط لابد أن نثيرها حتى تدخل الإنتفاضة عامها الثاني وهي أقوى، منها:
أنَّ الإنتفاضة بحاجة دائمة للدعم المادي والإعلامي بصورة يفضح إسرائيل ويرسخ مطالبنا العادلة.
الجانب الأمني بحاجة لمعالجة سريعة فلا يجوز أن تبقى الرموز دون حماية جيدة تقيهم مسلسل الاغتيالات الإسرائيلية.
تنسيق أكبر بين القوى الوطنية والإسلامية في فلسطين دعماً لمشروع المقاومة.
الإصلاح في جسد القرار الفلسطيني، فالعدو الإسرائيلي لا يفرِّق بين أعضاء حماس أو الجهاد أو فتح، فالجميع مستهدف، ولذلك فالكل يجب أن يشرك في القرار.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.