حديث الجمعة 13/ شوَّال/1422هـ - 28/12/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) -القفول -المنامة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين، وأصحابه المنتجبينَ والتابعينَ بإحسانٍ إلى يوم الدين.أيها الإخوة والأخوات، أيها الأبناء والبنات،سلامٌ من الله عليكم ورحمةٌ وبركات،وبعدُ:فقد قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} (الكهف:107).أيها الأحبَّة: سوف يكونُ كلامُنا على ضوء الآية المباركة وانطلاقاً منها ، فنقول :في هذا النص القرآني المبارك يقرُن القرآن بين الإيمان والعمل الصالح ، وهذا يعني أن الإيمان إذا خلا من العمل الصالح كان إيماناً عقيماً، وكان كالشجرة لا ثمرة لها ، ولا ظلَّ لها ،وإنَّ من الحقائق البديهية المسلَّمة أن الإيمان بالله ليس مجرَّد النطق باللسان،وإنَّما هو عقيدة تملؤ القلب، وتصدر عنها آثارها كما تصدر عن الشمس أشعَّتها.... لهذا تقرن الآية المباركة الإيمان بالعمل الصالح...... أجل –إن الإيمان هو الأصل الكبير الذي ينبثق منه كلَّ فرع من فروع الخير ، وهو المحور الذي تُشدُّ إليه جميع خيوط الحياة الكريمة .فالخُلُق السليم والنبيل ثمرة طبيعية للإيمان . والعمل الصالح هو الثمرة الحتمية للإيمان، ولذلك قدَّمت الآية الإيمان على العمل.الإرتفاع عن التكالب على أعراض الدنيا من بعض إيحاءات الإيمان. توظيف الإنسان المؤمن طاقاته من جهد ،ومال ،وخبرة، لينفع الأمة تجسيد للإيمان كما قال الإمام علي(ع): {خصلتان ليس فوقهما شيء:الإيمان بالله ونفع الناس}.أجل إنَّ الإيمان هو الرصيد لكلِّ خُلُقٍ حسن، وكل سلوك حسن، وكل موقف حر ، وكل تحرُّك في وجه الفساد. وإن عدم الإيمان يعني: لا موقف، لا خُلُق ،لا طُهْر، لا مؤاساه لضعيف، لا احترام للآخرين. أشبه شيء بالعملة الورقية إذا لم يكن لها رصيد يسندها من ذهب أو ثروة طبيعية كالنفط ، فإنها ستفقد قيمتها وتسقط لذلك نجد أنَّ النظرية الإسلامية- في هذا المجال- تهدر قيمة كلَّ عمل لا يستند إلى الإيمان، حيث أنه حينما يستند إلى الإيمان يكون متَّصِلاً بمصدر الوجود سبحانه وتعالى. قال تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} (النور: 39).وكذلك من الحقائق المسلَّمة إنَّ الإيمان هو الشيء الوحيد الذي يحجُز الإنسان عن التلوّث بمساوئ الأخلاق ، والتدنُّس بالذنوب والجرائم. قال رسول الله(ص): {والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل:من يا رسول الله؟ قال : الذي لا يأمن جارُه بوائقه}. وقال(ص) : {لا يزني الزاني وهو مؤمن ، ولا يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرة حين يشربها وهو مؤمن}. وخلاصة الحديث أوَّلاً: إنَّ الإيمان لا بدَّ له من تجسيد ،وتفعيل،وترجمة، فالإيمان موقف ، والإيمان عمل ، والإيمان سلوك....والمؤمن الحق هو الذي يُكيِّفه الإيمان ، ويرسم مسيرته الإيمان، ويُحرِّك عضلاته ويُوجِّهه إلى الفعل الحّسّن،ويمسكه عن الفعل السيئ الإيمان، ويتحكَّم في علاقاته الإيمان. قال الإمام الصادق(ع):{ من أحبَّ لله وأبغض لله وأعطى لله فهو ممَّن كمُلَ إيمانه}.
ثانياً: إن قضية الإيمان ليست قضية كلمات برَّاقة ،وشعارات خادعة. ما أكثر مّن يستغلَّ المظاهر والشعارات على الصعيد السياسي ، والصعيد الإجتماعي، لتحسين الصورة ، أو لخداع الجماهير ودغدغة المشاعر،واستقطاب العواطف.إن الشعار وحده لا يكفي ، بل لا بدَّ أن يكون معه مضمون ، ولا بدَّ أن يكون هذا المضمون إسلامياً صحيحاً، ولا بدَّ من ترجمةٍ للشعار صحيحة. فالصلاة والصيام ، والأذان ، وقراءة القرآن والحج ، يجب أن تُتَرجم هذه الأعمال والشعارات إلى حياة ،إلى كرامة، إلى عزَّة نفس، إلى مواقف إنسانية.
دوافع العمل الصالح:
كما أنَّ العمل المقبول عند الله يجب أن يكون عملاً صالحاً خيِّراً مفيداً للفرد والمجتمع، فكذلك يجب أن تكون الدوافع سليمة ونظيفة خالية من الرياء والنوايا الفاسدة-والعياذ بالله.فقد جاء في الحديث{ لا مصلح لما أفسدته النوايا}. فالحذر الحذر-أيها المؤمنون- من أن يتسرَّب في نفوسنا شيء من ذلك بقصدٍ أو بغير قصد، أو نسمحَ للشيطان أن يتلاعب بنا،فالعمل الصالح يجب أن ندعمَه ونهيِّئ له الظروف المناسبة، ونُشجِّع عليه، سواءً صَدَرَ منَّا أو من غيرنا ، وسواءً قام به غني أو فقير، قريب أو بعيد. والمؤمن الحق-أيها الأحبَّة-لا يتأخَّرَ عن تقديم الدعم المطلوب للعمل الصالح حتى لو لم يعد عليه بالنفع شخصياً طالما أنه يُحقِّق المصلحة الإسلامية، بل في بعض الحالات قد يحتاج لتقديم التضحيات بالمال والنفس والسمعة من دون أن يرتبط اسمه بالعمل ، لأنه يرجو ثواب الله سبحانه وتعالى وليس رضا الناس.
الأساليب الحكيمة والعمل الصالح:
والعمل الصالح وإن توفَّرَ على النية الصحيحة يحتاج للأساليب المدروسة المرنة التي تكفل نجاح العمل. فالأساليب الإرتجالية والخطوات العشوائية ،أو الانفعالات لا يمكن أن تحقق نجاحاً لأي عمل وإن كان عملاً صالحاً مفيداً للناس.
أيها المؤمنون:
وهنا نحتاج لوقفات صريحة ،وخطوات عملية جادة:
1. لاحظنا مسيرات تخرج لدعم أهداف نبيلة كيوم القدس، ولكن بلا تنظيم ولا إعداد جيِّد، فتختلط الأوراق بهذا السبب ، وبالتالي تضيع الأهداف ويضيع العمل.
2. بالنسبة لمواكب العزاء نرى حضوراً ضخماً ، ولكن الكثير لا يدري ولا يفهم ، بسبب ضعف القصائد ، والإعداد .
3. بالنسبة للإحتفالات والمواسم الثقافية هناك إعداد جيِّد ، ولكن كثرتها وعدم التنسيق حتى في المنطقة الواحدة يُضيِّع الهدف ويخرج العمل عن كونه عملاً صالحاً مفيداً. وبمناسبة التعرُّض لذكر الإحتفالات والمواسم الثقافية أود أن أذكر المنبر الحسيني ،وأؤكِّد على الاهتمام به،واستثماره،وتفعيله ،فهو وسيلتنا التربوية الكبيرة، وقد أدَّى ولا يزال يؤدِّي دوره الفاعل في التوجيه ، والبناء، والتربية، إنَّه قد ربّانا، وصنعنا ،فيجب المحافظة عليه والاهتمام به، والاستماع إلى الخطيب المُربِّي ، وعلى الخطيب أن يكون دائماً مُعدَّاً لنفسه، مواكباً لعصره ، متزوِّداً بالثقافة اللازمة والتي تُحقِّق الغرض الذي من أجله أُسِّسَ المنبر ، والله ولي التوفيق.
الِّلقاء بسماحة الشيخ سليمان المدني:
لقد سرَّني كثيراً موافقة سماحة الشيخ المدني على الدعوة التي وجَّهتُها إليه لحضور مأدبة الغذاء في بيتي وتلبيته لها مع عدد من العلماء الأفاضل في يوم الأحد 8/ شوَّال 1422هـ الموافق 23/12/2001م. ولقد كان اللقاء ودّيّاً سادته روح الألفة والمحبَّة ،ونتمنَّى لها اللقاء أن يُستثمرَ ليصبَّ في مصلحة الأمَّة.
1. أن الحسابات في أي عمل مطلوبة ولكن حين تتوفر الأجواء المناسبة والاستعداد المطلوب فينبغي عدم التأخير عن طرق أبواب الخير والمساهمة في إنجاحها، ولا ضمان لهذا النجاح إلا الاستعداد من الجميع لإغلاق هذا الملف من دون أية أعذار غير منطقية أو أسباب غير معقولة لا تتفق مع ديننا الحنيف.
2. ينبغي الفصل بين الآراء والمواقف وبين العلاقات الاجتماعية، فاختلاف الآراء مطلوب للتنوع والتعدد الذي يثري الساحة العلمية بعيداً عن الصراخ والغوغائية التي ربما تحول هذا الاختلاف إلى التشابك بالأيدي وهذا في اعتقادي مرفوض من الجميع.
3. إن التفكير ينبغي أن يلحظ المستقبل، كما أنن مسئولون عن هذا الجيل فكذلك علينا أن نفكر في الأجيال القادمة فلا ينبغي أن نورّث إليهم إلا ما هو خير ومفيد.أبنائي وبناتي، وها أنذا أقول من هذا المكان المبارك إنَّني عن فعل الخير والمضي في هذا الموضوع لن أتردد ولن أتراجع والذي نأمل أن نجد ما يماثل هذا، والله ولي التوفيق.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،وإلى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد.