بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فقد قال تعالى (( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) النحل 125. لا شك يا أبنائي وبناتي، أخواني وأخواتي أن الله سبحانه وتعالى ما أرسل الرسل مبشرين ومنذرين إلا ليبينوا للناس طريق الحق و الخير فيتبعوه وطريق الباطل والشر فيجتنبوه. فالهدف الأساس دائماً ينبغي أن يكون من كل نقاش وجدال وحوار يخوضه المؤمن هو الوصول للحقيقة الناصعة بعيداً عن الغموض والشكوك. وهذه الآية العظيمة (والقرآن كله عظمة) تحدثت عن الهدف لكنها لم تحدد الأسلوب بل تركته مفتوحاً تبعاً للظروف الموضوعية شرط أن يكون:
أولاً: مدعماً بالحجة والبرهان بعيداً عن المبالغات والأكاذيب والمغالطات.

ثانياً: مشتملاً على الموعظة الحسنة بعيداً عن كل هوى أو ميل أو انفعال.

ثالثاً: أسلوبا ليناً سلمياً بعيداً عن العنف والتهديد والضغط.

أحبتي أعزائي... في الأسبوع الماضي تحدثنا عن الدعوة الصريحة لأصحاب الكفاءات للانخراط في العملية الإصلاحية بعيداً عن الفرقة والاختلافات الجانبية، واليوم نتحدث عن أسلوب هذا التفاعل، الأسلوب الذي قد يختلف بين حالة وحالة وبين عصر وعصر. وقبل الحديث عن هذا التفاعل لابد من وقفة سريعة مع الإمام التاسع من أئمة أهل البيت عليهم السلام وهو الإمام محمد بن علي الجواد، حيث أننا نعيش في مثل هذا اليوم ذكرى شهادته، التي كانت أواخر ذي القعدة عام 220 للهجرة وعمره الشريف خمسة وعشرون عاماً، حيث كانت ولادته في 19 أو 15 رمضان أو 10 رجب عام 195 للهجرة. ويعتبر أقصر أئمة أهل البيت عمراً. في حياته (ع) ظواهرٌ في الغاية من الأهمية، سأذكر منها ثلاث ظواهر:

الظاهرة الأولى: بكور السن حين قيامه بالإمامة، فقد قام بمسئولياته القيادية بعد أبيه الرضا (ع) وهو في الربيع التاسع، وعلى رواية أخرى في السابع من عمره الشريف، وهي قضية جائزة وممكنة عقلاً وتجربةً، وشأنها شأن النبوة التي هي امتداد طبيعي لها.

الظاهرة الثانية: بروز شخصيته وصمودها رغم عوامل الإخفاء والتذويب، فقد حاولت السلطة العباسية تذويبه بجعله ضمن بلاط الخليفة ومع ذلك كان قمة المعارضة السياسية والفكرية للخط الذي يسير عليه العباسيون.

الظاهرة الثالثة: سعة علمه، وهي ظاهرة موجودة في حياة كل واحد من أئمة أهل البيت (ع) إلا أنها فيه أكثر بروزاً وظهوراً لصغر سنه.

نعم كان (ع) أعجوبة في علمه سعةً وشمولاً، ولذلك خلّف تراثاً فكرياً ضخماً من الأحاديث في مختلف شئون الحياة. سلامٌ عليه يوم وُلد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً. وبعد هذه الوقفة السريعة مع الإمام الجواد (ع) ننتقل إلى الحديث عن أسلوب التفاعل، فالأسلوب المطلوب لمعالجة مشكلة اجتماعية لا شك هو أسلوب يختلف عن ذلك الأسلوب المطلوب لمعالجة مشكلة سياسية. بل حتى المشكلة السياسية الواحدة، الأسلوب فيها يختلف بين مرحلة ومرحلة، فالمرحلة التي يكون فيها المناخ ضاغطاً أمنياً ومساحة الحرية فيه ضيقة جداً يكون الأسلوب مختلفاً جداً عن ذلك المناخ المنفتح والذي يسمح بهامش من الحرية يتبادل فيه الجميع الرأي والمشورة، والكل طبعاً يعمل لأجل مصلحة الوطن في إطار القوانين والتشريعات. وعلى سبيل المثال... فنحن هنا في هذا البلد العزيز عشنا ردحاً من الزمن في ظل إجراءات قانون ومحكمة أمن الدولة، كانت الصحافة مقيدة والأقلام ممنوعة من النقد، فلذلك كانت أساليب العمل مقيدة جداً، بل حتى في المساجد لم يكن يسمح لأحد بالحديث بصراحة عن هموم ومشاكل الناس، أما اليوم فنحن نعيش مرحلة مختلفة تتّسم حتى الآن بهامش جيد من الحرية لاحظنا ذلك من خلال الأقلام التي تكتب في الصحافة المحلية ولاحظنا ذلك من خلال أجهزة الإعلام الراديو والتلفاز. والسؤال هل سيكون أسلوبنا في العمل في هذه المرحلة هو نفس الأسلوب السابق؟! نعم لقد لمست في أثناء حديثي مع البعض وأقصد المثقفين حين تطالبهم بأن يكون لهم دورٌ بارز في هذه المرحلة تراهم يترددون بحجة عدم استقرار الأوضاع والخوف من المفاجئات !! طبعاً لا يمكن أن نلومهم ربما بسبب تراكمات المرحلة السابقة والطويلة، ولكن ألا يصح كذلك إن المرحلة القادمة تحتاج لصناعتها أكفاء على مستوى المرحلة على الصعيدين الرسمي والشعبي تحتاج لشخصيات مؤهلة تقود العملية الإصلاحية وتدعم سمو الأمير في هذه العملية الإصلاحية الكبرى. أقول وبكل صراحة أن المرحلة القادمة تحتاج لأسلوب يستوعب المتغيرات و يتناغم مع الإصلاحات، وربما نحتاج على هذا الأساس لتعديل بعض أساليبنا ورؤيتنا للأمور. فما كان مقبولاً من برامج وأدوات سياسية في تلك المرحلة قد لا يكون كذلك في هذه المرحلة. فالكل متفقٌ أننا بحاجة الآن لطرحٍ:

منفتح: ينفتح على الآخرين ويستفيد من تجاربهم في الداخل والخارج.
مدروس: غير قائم على الانفعال والعشوائية والارتجال.
عملي وواقعي: خالٍ من الاطروحات النظرية أو السحرية.
مرن ومعتدل: يتناغم مع الظروف الموضوعية.
وطني إسلامي: لا يعتمد الطائفية برنامجاً لعمله.
وهكذا طرح لا يمكن أن يولد إلا في مناخ صحي يتدارس فيه المثقفون والمصلحون بحرية تامة كل القضايا المتعلقة بشأن هذا البلد العزيز علينا جميعاً. كما قلت سابقاً فنحن الآن نعيش في مرحلة "ما بعد الميثاق" وهي مرحلة تتسم على أقل تقدير:

بحرية التعبير سواء في الصحافة أو المنتديات العامة
دولة القانون قانون المؤسسات لا الأفراد
تفعيل مؤسسات المجتمع المدني من نقابات ومنابر سياسية
وفي تقديري أن هذا التصور سيرى النور في الأيام المقبلة خصوصاً وأن القيادة السياسية مازالت تقدم الدليل تلو الدليل على جديتها في طي صفحة الماضي والبدء في خلق الأرضية المناسبة لصناعة مستقبل زاهر. ففي الأسبوع الماضي صدر المرسومان بإلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة وكذلك تشكيل لجنة تفعيل ما جاء في الميثاق يترأسها صاحب السمو ولي العهد الشيخ سلمان بن الشيخ حمد حفظه الله. ولا يشك أحد أن هذه القرارات جاءت:

لترسيخ الثقة بين الشعب وقيادته السياسية وطي صفحة الماضي بما فيه من تراكمات إلى غير رجعة إن شاء الله
وإعطاء الضوء الأخضر لجميع فئات الشعب على المشاركة في هذه العملية الإصلاحية بلا خوف ولا تردد وأن يجهروا بأصواتهم وآرائهم بصورة منطقية من أجل خدمة الوطن والمواطنين
كذلك هذه القرارات تعطي الأمل في مراجعة كل القوانين التي صدرت في الفترة السابقة ودراسة مدى انسجامها مع الدستور والميثاق
وفي الختام نشكر سمو رئيس الوزراء الموقر لاستقباله لنا بتاريخ 18 فبراير 2001م بكل حفاوة ورحابة صدر حيث بشّرنا في بداية اللقاء بصدور قرار إلغاء قانون أمن الدولة، الأمر الذي كدنا نطير له فرحاً لما يمثله إلغاء هذا القانون من توفير الأجواء المناسبة لتفعيل الدستور ومساعدة على إزالة الآثار الوخيمة للأزمة، كما بشرنا سموه بقرار منح الجنسية للفئات التي كانت محرومة من الجنسية، إضافةً إلى إعطائه الحلول العاجلة لكل ما عرضناه عليه من مشاكل جزئية متعلقة بالملف الأمني. وبعد هذا اللقاء الموفق تشرفنا بزيارة سمو الأمير حفظه الله فأثلج صدورنا بما عبّر عنه من اهتمامه ورغبته الجادة بتطوير المشاريع العمرانية في مختلف أرجاء البحرين مدناً وقرى، وبتنمية المواطن والسهر على ما يوفّر له الراحة والعيش الكريم، وإننا لواثقون أن هذه الوعود سوف تشق طريقها إلى أرض الواقع كما كان عليه الحال في الوعود السابقة حيث وعد فأوفى، سدّد الله خطاه ونفع به البلاد والعباد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تنبيه:

الأنشطة التي تمارس في الحقيقة ليست بدون حدود الأمر ليس بهذه الدرجة من الانطلاق والحرية، أي مسيرة تتحرك ولا نعلم بها ولم نراجع فيها لا نتحمل مسئوليتها، وإني أريد أن أنصح نفسي وأنصح غيري من الأخوة وكلكم أهل قضية: إن مكتسبات هذا الشعب لهي أمانةٌ في أعناقنا يجب علينا - رجالاً نساءاً شيوخاً وشباباً- المحافظة على هذه المكتسبات، مكتسباتٌ بسجونكم بدمائكم بتشريدكم بمتاعبكم ليس من السهل أن نسمح لكل من أراد أن يتصرف بحسب إرادته، لابد أن نقف عند حدود معينة، فهناك خطوط حمراء لا يجوز أن نتجاوزها ولابد أن نحكم الضوابط الشرعية الإسلامية الوطنية التي تحفظ لهذا الشعب مكتسباته ولا تفسد عليه أموره.

والحمد لله رب العالمين.