حديث الجمعة 8-محرَّم 1423هـ /22-3-2002م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع)- القفول -المنامة
بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين،وأصحابه المنتجبين،والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. وبعدُ: فقد قال الإمام الحسين(ع): {وإنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي محمد(ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير في الناس بسيرة جدّي محمد وأبي علي بن أبي طالب(ع) فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق والله خير الحاكمين
أيها الأحبَّة: في هذا البيان ذكر الإمام الحسين(ع) مبادئ وأهداف ثورته المباركة، هذه الثورة التي تحدَّت ببقائها وخلودها الزمن، ونسفت من طريقها كلَّ الحواجز، وكانت ولا تزال حيَّة، متجدِّدةً تفيض بالعطاء، والدروس، والعبر، مَعيناً متدفقاً دائم التدفُّق، مدرسة سيَّارة قائمة بذاتها، مشعلاً يضيء الدرب لجميع السّائرين، صوتاً ملعلعاً مُدويّاً ينادي كلَّ المحرومين والمستضعفين والمقهورين بأنَّ التحرُّر والخلاص في الموقف الصامد، والثبات في وجه الأعاصير، وليس في الخنوع والإستكانة، والتراجع، هذه الثورة العملاقة التي تغنَّى بعظمتها وسموِّها الشعراء والمتكلِّمون، قال بعض أدباء الطف:
لـكَ بــالـطـف يـا ابـن أحمد يـــومٌ |
|
ردَّدتــه الأجيــال جيــلاً فجيـلا |
يــوم ناديــتَ يـا سيــوف خذينـــي |
|
أبـت النفــس أن أعيـش ذلـيــلاً |
والسؤال المطروح الآن: ما هو السر في خلود ثورة الإمام الحسين(ع)؟ والجواب: هناك أسباب لهذا الخلود والبقاء والإستمرار، نُلخِّصُها فيما يأتي:
1. مكانة الإمام الحسين(ع) في الإسلام وفي الأمَّة: فالحسين له مكانة عميقة وموقع كبير الإسلام، وفي نفوس المسلمين، فهو ابن بنت رسول الله(ص) مجده أعلى مجد، وبيتيّته أشرف بيتيّة، جدُّه محمد(ص)، وأبوه علي(ع) وأمُّه فاطمة(ع)، وأخوه الحسن(ع)، وقد تحدَّث عن هذا الشرف العظيم والمكانة الكبيرة بقوله-في إحدى وثائق الثورة ونصوصها: { ألا وإنَّ الدعي ابن الدعي قد رَكَزَ بين اثنتين، بين السِّلَّة والذلَّة، وهيهات منَّا الذلَّة، يأبى الله لنا ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابت، وجدودٌ طهرت من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام}. أضف إلى ذلك ما جاء في حقِّه عن جدِّه رسول الله(ص) لقوله:{ حسينٌ منّي وأنا من حسين، حسينٌ سبطٌ من الأسباط، سيط لحمه ودمه بلحمي ودمي، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً}.
2. المجازر التي ارتكبها يزيد في حقِّ الحسين(ع): لقد فعل يزيد في حقِّ الحسين(ع)، وحقِّ أهل بيته، وأنصاره مجازر مروعة وارتكب أفعالاً وكوارث فظيعة تهز ضمير كلّ إنسان، وتُفجِّر كلّ عين، وتُفطِّر الصخر الأصم، من قتل الحسين(ع)، وأهل بيته وأصحابه، ووطئ صدره بالخيل، وحمل رأسه ورؤوس أهل بيته على رؤوس الرماح، وإحراق خيامه، وسبي وسلب نسائه وأطفاله وحملهم على النياق من بلدٍ إلى بلد.
3. المبادئ التي من أجلها ثار الحسين(ع) وضحَّى: هذه المبادئ الرائعة التي لخَّصها الحسين(ع) في البيان الأوَّل لثورته، وهو الآنف الذكر. فالحسين(ع) ثار من أجل الإصلاح في الأمَّة، وإنقاذها ممّا وقعت فيه من الهوان، والقضاء على الفساد الفكري، والأخلاقي، والسّياسي والإجتماعي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكانت ثورته من أجل تصحيح مسيرة الأمَّة، وإنقاذ كرامتها، ولم تكن هذه الثورة من أجل طائفةٍ معيَّنة، أو طبقة خاصَّة، أو فئة دون أخرى، كانت للأمَّة كلِّ الأمَّة، كانت من أجل المحرومين، والمستضعفين، والمقهورين، من أجل الحقِّ والعدل، من أجل القيم والمُثُل، لذلك فإنَّها ثورة عالمية أمميّة.
إنَّ الحسين(ع) ثار من أجل إعلاء كلمة الحق، وبسط العدل، ودفع الظلم الإجتماعي، ونصرة المظلومين، أجل ثار من أجل هذا، لا من أجل الشعارات، فالشعارات كانت موجودة وقائمة، ولكنَّها بلا مضمون، بلا معنى، فالصلاة كانت تقام، والصيام موجود، والحج قائم، والحجاب مطبَّق، والمساجد تمتلؤ بالمصلّين، ولكن مضمون هذه الشعارات، والطقوس مفقود، فلا عدالة، ولا أمانة، ولا استقامة، هناك ظلم عظيم، لذلك ثار الحسين(ع) من أجل تطبيق النظام السّياسي والإنساني في الإسلام. لذلك كان الحسين عِبرةً لكلِّ الأجيال، وقدوة للأحرار في رفض الظلم، والتمرُّد على الإجرام والطغيان، ومثالاً يحتذيه الشُّرفاء والنُّبلاء في العالم. إنَّها ثورة تتضمَّن تعليم الإنسانية أنَّ الحرية والكرامة، واستعادة الحقوق، وتحقيق العزَّة إنَّما هو في النضال والكفاح، ومناهضة الظلم والفساد والباطل، لا في الخنوع والإنهزام والإستسلام. من أجل هذه العناصر تخلَّدت ثورة الإمام الحسين(ع).
وقفة مع قضيتنا المركزية المقدَّسة:
أيها المؤمنون والمؤمنات ونحن نعيش الآن ذكرى عاشوراء، فماذا تعلَّمنا منها؟ وما هي الدروس المستخلصة منها في دعم قضيتنا المركزية؟ أرى أنَّها كالتالي:
الدرس الأوَّل: عدالة القضية تُحتِّم المقاومة: فكما كان الحسين(ع) معتقداً بعدالة قضيته عقلاً ومنطقاً وشرعاً، مضى- على أساس ذلك- مُصمِّماً في طريقه، لا يداخله شك، ولم يتغلغل في نفسه يأس ولا فنوط قائلاً:{ لو لم يكن لي في الأرض ملجأ ولا مأوى لما بايعتُ يزيد}. وهل هناك شك في عدالة القضية الفلسطينية؟! أنا وأنتم والعالم كلّه، شرقه وغربه يعلم علم اليقين أنَّ الصهاينة قطَّاع الطُّرق جيء بهم من مختلف بقاع العالم ليحتلّوا أرض فلسطين بعد أن قتلوا ما قتلوا، وأحرقوا ما أحرقوا، وهجَّروا ما هجَّروا، ولكن هل تتغيَّر الحقائق؟ إذا كان هناك عزم وإرادة فـ{ فلسطين باقية وإسرائيل إلى زوال}.
الدرس الثاني: الضَّعف لا يُبرِّر الهزيمة: طالما كنَّا مؤمنين بقضيتنا وعدالة موقفنا، فلا ينبغي أبداً أن ننهزم بحجَّة قلَّة السلاح وقوَّة العدو، فالضعف لا يُبرِّر الإنهزام. فالحسين(ع) كان في 73 من الأنصار في قبال الألوف، فلم يتراجع. ماذا فعل الجيش الأموي بالحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه؟ قتلوهم ورفعوا رؤوسهم على رؤوس الرماح، وطافوا بعيال الحسين(ع) سبايا من بلدٍ إلى بلد!!!
ولكن أين يزيد وأين الحسين(ع)؟ من هو الذي خَلُد؟ حزبُ الله قاتل{ الصهاينة} عشرين سنة ولكن ماذا كانت النتيجة؟ كان الناس واليائسون والواقعيّون-كما يُسمّون أنفسهم- يقولون لحزب الله:{ما عساكم أن تفعلوا وأنتم قلَّة لا تملكون السلاح، وإسرائيل الجيش الذي لا يُقهر}. كان جواب{ حزب الله}: من كان مع الله كان الله معه!! فماذا يقول اليائسون والجبناء الآن بعد أن تحرَّر الجنوب؟
أقول كلمة للرؤساء والملوك الذين يجتمعون في بيروت بعد أيام:
إنَّ انتصار حزب الله على إسرائيل حجَّة عليكم. وأنتم في أرض الإنتصار تجتمعون، فلا ينبغي أن تكون قراراتكم إنشائية خجولة. المقاومة في فلسطين أقوى اليوم مَّما مضى فلا تضعفوها. المقاومة اليوم لا تحتاج إلى أسلحة ولا جيوش، ولكنَّها في أمسِّ الحاجة إلى دعمكم سياسياً وإعلامياً وإقتصادياً.....
فلنساهم جميعاً في دعم المقاومة لأنَّها إنما تقاتل عنَّا جميعاً.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.وإلى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد.