حديث الجمعة 21/9/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه الميامين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الأحبة، أيها الأخوة والأخوات، أيها الأبناء والبنات، سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته، وبعد:

فقد قال الله تعالى: (ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون)

أيها الأحبة :

قبل الحديث على ضوء الآية المباركة وإنطلاقا منها، لا بد لنا من التعرض بإيجاز لذكرى تمر في هذا اليوم وهي ذكرى وفاة الإمام العاشر من أئمة أهل البيت (ع) وهو الإمام علي بن محمد الهادي (ع). كانت ولادته في قرية تقرب من المدينة المنورة أسمها "صريا" سنة 214 للهجرة، وكانت وفاته في سامراء سنة 254، والمدة التي إضطلع فيها بأعباء الإمامة والقيادة الإسلامية هي إثنان وثلاثون سنة. له دور إيجابي جهادي عظيم كسائر آبائه الطاهرين (ع). كان قمة المعارضة الفكرية والسياسية للخط اللاشرعي، والإنحراف وكل ما لا يقره الإسلام. ناظر وحاور المشككين والملحدين وأجاب على أسئلتهم بالأسلوب الهادئ الرصين. كان منهلا عذبا لرواد العلم من مختلف البلاد والمناطق، رجع اليه القريب والبعيد في الدين وجميع ما يعترضهم من المشاكل. وبكلمة موجزة: سيرته (ع) ثروة عظمى من العلم والتربية والجهاد والأخلاق والعطاء والبناء، ولنعد الآن إلى الآية ، فنتحدث على ضوئها عن الكلمة وأبعادها، ودورها في الحياة الإنسانية، وفي نصر الحق ، وضوابطها في الإسلام، وكيف أسيئ إستخدامها، فنقول:-

1)     ما هي الكلمة المقصودة في الآية الكريمة؟

طبعاً لعلماء التفسير في الكلمة المقصودة في الآية أكثر من رأي ، فمنهم من يقول: هي كلمة التوحيد: لا اله إلا الله. ومنهم من يقول: إنها القرآن الكريم. ومنهم من يقول: إنها مطلق التسبيح والتنزيه لله سبحانه. وهناك رأي يجمع كل كلمة طيبة سواء كانت في المجال العقائدي، أو الأخلاقي، أو التربوي، أو الإصلاحي، أو الاقتصادي، أو السياسي، أو أو إلى آخره، وهو: "إن المراد كل كلمة حسنة". هذه الكلمة الحسنة الطيبة، في أي مجال قيلت، وأمام أيٍ ألقيت، وبأي مناسبة أعلنت، يشبهها القرآن الكريم من حيث العطاء والنتاج والإنعكاس بالشجرة الطيبة المثمرة الدائمة الثمر الراسخة الأصول والجذور المستطيلة الإمتداد والفروع في آفاق السماء.

2) هدف الآية

ما هو هدف النص من إعلان أهمية الكلمة الطيبة ودورها؟ هو كما يلي:

لا شك أنه تربوي كبير، فهو يربينا ويعلمنا أن نقول الكلمة الطيبة التي تبني، وتصلح الناس، وترشد الجاهل، وتحل المشكلة، وتسلي الحزين، وتشد الأواصر، وتؤلف القلوب وتجمع النفوس، وتنصر المظلوم، وتردع الظالم، وتنشر المعروف وتنهى عن المنكر. ولقد إرتفع الإسلام بالكلمة المجاهدة إلى درجة أنه أعتبرها أعظم انواع الجهاد، فقد قال الرسول الأعظم (ص): ((أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)).

3) سوء إستخدام الكلمة

عانت الأمة الكثير من الأذى ولا زالت تعاني من جراء الإستخدامات السيئة للكلمة، ومن تلك الكلمات الأصوليون – المتطرفون – الإرهابيون. وهذه كلمات جاء بها الإستكبار العالمي واستخدمها في حق الإسلاميين الذين يقفون في وجه الباطل ، والإستعباد، والدكتاتورية، والذين يطالبون بالعدالة ، والحرية، والحقوق العادلة. أنا لا أنكر وجود الإرهاب في العالم، والذي يجب مقاومته، ولكن العنوان استُخدم بقصد أو غير قصد في غير محله في أكثر من مكان، وهذا يتطلب منا وقفةً تفصيلية فنقول:

4) توصيف الإرهاب

مفهوم الإلرهاب لغة وإصطلاحا: الإرهاب لغةً الإخافة. رهب خاف، أرهبه  وأسترهبه : أخافه. مختار الصحاح مادة: رهب.

والإرهاب إصطلاحاً هو استهداف الآمنين والأبرياء. فمقاتلة الجنود في ساحة المعركة لا يعتبر إرهاباً بل حرباً وقتالاً، ولكن استهداف الآمنين أو ضرب المواقع المدنية أو استهداف الوسائل المدنية كوسائل النقل، هذا يعتبر إرهاباً.

وهنا أقول أن هذا المصطلح أسيء استخدامه من قبل السياسيين كل حسب مصالحه وصار هذا الوصف يُلصق بالدولة أو الجماعة أو الأفراد ليس لأنه ينطبق عليهم وإنما لأنهم لا يتفقون مع سياسة تلك الدولة أو غيرها.

وهذه النقطة في غاية الأهمية ينبغي أن يكون هناك توصيف واضح وتعريف دقيق يتفق عليه العالم عبر الأمم المتحدة مثلاً، وليس كل دولة تستخدمه لكل من يعارضها فقط.

5) الإرهاب والنضال الوطني:

بالنسبة لنا نرى هناك خطاً فاصلاً وفرقاً واضحاً بين الإرهاب الذي يستهدف الآمنين ونضال الشعوب من أجل تحرير أوطانها من المحتلين.

في فلسطين هناك محتلون أتوا من أصقاع البلدان في أوربا الشرقية والغربية وأمريكا وروسيا، فشرّدوا سكانها الأصليين، وقتلوا من قتلوا وسفكوا الدماء ومازالوا.

وهناك شعب محتل أعزل لا يملك إلا الحجارة تنزل عليهم القنابل و الصواريخ

فهل إذا قاوم هذا الشعب يعتبر إرهاباً ؟

في نظر الشرع و العقل والمنطق يعتبر هذا جهاداً و نضالا وليس شكلا من أشكال الإرهاب أبداً.

فكل منظمة أو حركة عربية أو غير عربية اسلامية أو غير اسلامية من حقها مقاومة الاحتلال وبالتالي ينبغي أن يكون واضحاً أن المنظمات الفلسطينيةو المنظمات أللبنانية التي تقاوم الاحتلال هذه منظمات مناضلة وليست إرهابية.

و الإرهابيون هم قطاع الطرق الذين يحكمون اسرائيل.

فشارون هو صاحب مجزرة "صبرا" و "شاتيلا" و قبله بيريز صاحب مجزرة "قانا" وكلاهما قتل و مازال يقتل المدنيين و الأبرياء الآمنين. هذا هو الارهاب الحقيقي.

6) آلية مكافحة الإرهاب:

نحن مع مكافحة الارهاب ولكن يجب أولاً أن نحدد من هم الإرهابيون ؟

من هو الذي سيحدد ويسمي لنا أسماء الإرهابيين؟ هل هي المخابرات الأمريكية أم القضاء الأمريكي ؟ ما هي آلية مكافحة الإرهاب؟

في انفجارات أمريكا أنا أستغرب أن التحقيق لم ينتهي بعد وأصابع الاتهام وُجِهت للعرب والمسلمين أو "ابن لادن" بالتحديد، أقول الاساطيل تحركت لضرب أفغانستان والتحقيق لم يستكمل بعد. أهذه خطة مدروسة أم تصفية حسابات؟  لقد وُجِهت الاتهامات للعرب والمسلمين من أول يوم واتضح لاحقا أن خمسة من التسعة عشرة المتهمين والذين يفترض أنهم كانوا على متن الطائرات هم في الواقع أحياء يرزقون في بقاع أخرى من العالم. هل نحن اليوم بصدد الوقوف على مأساة أخرى شبيهة بالمأساة التي تعرض لها الشعب العراقي الذي تعرض لعقوبة جماعية أثر غزو العراق للكويت.

لاشك أن الذي حدث في اليوم الحادي عشر من هذا الشهر هو عملٌ فظيع وجريمةٌ لا تبرر لا عقلاً ولا شرعاً، وأن الدين الاسلامي منها براء.

إننا مع مكافحة الإرهاب، ولكن هناك غموض وشكوك في  الأهداف والآليات التي تتحدث عنها أمريكا. فهذه الجحافل والأساطيل القادمة إلينا لايمكن أن تكون لمحاربة دولة فقيرة كأفغانستان فقط. أمريكا تتحدث عن اشتمال القائمة لدول وجماعات أخرى ضمن التصنيف الذي تضعه للإرهاب وتتحدث عن حرب طويلة تطال مناطق مختلفة في المنطقة. من هنا فإننا نناشد قيادات العالم العربي والاسلامي التحرك لوقف هذه الحملة والتي تكاد تنطلق من دون الحصول على موافقة المجتمع الدولي عبر الامم المتحدة.

أسأل الله العلي القدير أن يدفع عنّا وعن جميع المستضعفين و جميع شعوب العالم ويلات هذه الحرب المجنونة القادمة وأن يمن علينا بالأمن والأمان إنه سميع مجيب.  

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.