حديث الجمعة 6/ شوَّال/1422هـ - 21/12/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) -القفول -المنامة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.أيهاالإخوة والأخوات، أيها الأبناء والبنات،سلام من الله عليكم ورحمةٌ وبركات،وبعد:فقد قال الله تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب} (الطلاق: 3). أيها الأحبَّة سوف يكون كلامنا على ضوء الآية المباركة وانطلاقاً منها، وقبل الحديث على ضوء الآية لا بد من إعلان ما في النفس من ألمٍ وتأثُّر لوفاة فقيد الأمة الإسلامية آية الله العظمى السيد محمد المهدي الحسيني الشيرازي(قدس الله نفسه) ،هذا العالم الكبير الذي أثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفاته ، وكان له تأريخٌ جهاديٌ كبير ،وفي كلِّ فنٍ من فنون العلم لقلمه وجود ولفكره حضور ، أسأل الله أن يتغمَّده بواسع رحمته ، ويعوِّضَ الأمة عن فقده ، ويلهم ذويه الصبر ويُعْظِم لهم الأجر ، وإنا لله وإنا إليه راجعون. ولنتكلم الآن على ضوء الآية فنقول: سيكون حديثنا متَّصلاً بموضوعين مهمَّين،الأول: معنى التقوى في اللغة والشرع: التقوى لها مدلولان لغوي وشرعي،وهما متفقان ،فاللغوي هو جعل النفس في وقاية مما يُخاف ،والشرعي كذلك ،فهو مساوق له. ولا شكَّ أن الخوف يستدعي العلم بالمخوف. والمخوف هنا هو الله تعالى،إذن : فالتقوى جعل النفس في وقاية من غضب الله عز وجل،بامتثال أوامره ،واجتناب نواهيه .
التقوى موضوع إيجابي:
وبناءً على أن التقوى جعل النفس في وقاية مما يُخاف ،فهي عمل، وبناء ،وجهاد ،وأمر بمعروف ونهي عن منكر . وعليه فالتقوى موضوع إيجابي لا سلبي،كما فسَّرته بذلك بعض الطروحات المحسوبة على الدين ،حيث فسَّرت التقوى باعتزال المجتمع ، والطيبات ،وبالبطالة ،فإنَّ هذا التفسير يصطدم مع روح الإسلام ونصوصه التي تدعوا إلى التمتُّع بالطيِّبات ،وتحث على العمل ،والإنتاج ، النزول إلى الساحة الإجتماعية ،وتوجب الجهاد ، وتحث على الإرشاد والدعوة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،هذه الأمور التي تستلزم عدم اعتزال المجتمع. وقد لا أكون متجاوزاً للحقيقة إذا قلتُ بأن التفسير السلبي للتقوى يلتقي مع رغبة المستغلِّين والمنتهبين لخيرات وطاقات الأمة من مستعمرين ، ومتسلِّطين على الأمة بدون حق ، وناهبين لثرواتها، لأن التوجّه السلبي يفتح الباب أمامهم ليعملوا بحريَّة ، بينما التوجّه الإيجابي يوصد الباب أمامهم ، و يعملبحضوره الفاعل في إغلاقه في وجوههم.
الموضوع الثاني: تذكر الآية أن التقوى توصل الإنسان إلى النجاة من الشدائد حيث يكون بواسطة التقوى مخالفاً لهواه ،مطيعاً لأمر مولاه ،ويكون بمستوى مسئولياته الدينية والوطنية ، بعيداً عن الإنهزام والهروب من المسئولية ، ثابتاً صامداً أمام الزوابع والمتغيِّرات ، مواصلاً محاولات التغيير لنفسه ومجتمعه ،ومن جدَّ واجتهد وجد ، ومن أكثر طرق الباب أوشك أن يُفتح له ، ومن صبر ظفر. كما تذكر الآية بأن التسلح بالتقوى يحقق للإنسان الحصول على الرزق الحلال ، حيث يكون- بواسطة التقوى- بعيداً عن كل ما يدنِّس كرامته من مالٍ مشبوه أو حرام ، أو طريقُه غير مشرِّف ، ولا كريم ، وبعيداً بواسطة التقوى كلَّ البعد عن المطامع والتزلُّف للآخرين ، تسامياً عن الهبوط إلى أي مستوىً تقتضيه المجاملة للآخرين على حساب الحق، أو يعوقه عن قول كلمة الحق، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا هو شأن الأحرار، وأصحاب النفوس العالية. والحديث عن التقوى باعتبارها القاعدة الرئيسة ، والمنطلق الأول للسلوك المسلم لعب دوراً هامَّاً على صعيد النص القرآني ، فقد ورد في القرآن الكريم للتقوى 238 موضع يُشوِّق الله تعالى فيها ويُرغِّب في التحلِّي بالتقوى ،وجاء في 69 موضعاً الأمر بالتقوى بلغة (اتقوا) وهي لغة أمر وكذلك على صعيد الحديث .ووردت لفظة(التقوى) ومشتقَّاتها في نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)78 مرَّة . وكذلك على صعيد الأدب الإسلامي لعب الحديث عن التقوى دوره الكبير . قال شاعر إسلامي:
ليس من يقطعْ طريقاً بطلاً إنما من يتَّقي الله البطلْ
فاتَّق الله فتقوى الله ما جاورت قلب امرئٍ إلا وصلْ
أيها الأحبَّة: إن الإنجازات والمكاسب التي حققتها التقوى على الصعيد الإسلامي وفي الحياة الجهادية والإجتماعية كثيرة ، فالذين وقفوا في وجه الأعداء صامدين، وضحَّوا بأنفسهم ، ورفعوا لواء الإسلام عالياً خفَّاقاً إنما فعلوا ذلك بسبب تقواهم التي جعلتهم أرفع من كلِّ المغريات ، وجعلتهم لا يُفكِّرون إلا في إعلاء كلمة الحق مهما كان لذلك من ثمن.
وللتقوى مظاهرُ هامة يأتي في طليعتها مقابلة تحقيق ما نطالب به بالشكر والتقدير،أجل التقوى تدعونا لرد الجميل بمثله، ورد التحية بأحسن منها. ومن هذا المنطلق يجب أن نقدِّر ما تحقق من قبل سمو الأمير(حفظه الله )من إنجازات ، وما وعد به في خطابه ليلة العيد-16 ديسمبر- من أمور هامَّة، فلنقف عند موضوعين:
الأول :خطاب سمو الأمير ليلة العيد:
لقد جاء خطاب سمو الأمير ليلة العيد-16 ديسمبر- ملبياً لطموحات كثيرة لأبناء الشعب.فإعلان سموه عن تطوير القانون المدني الذي سيتيح المجال للمسائلة القانونية حيال أداء الموظف العام في حال الإخلال بواجب العمل ، ويتيح المجال للسعي لمنع الإحتكار التجاري ، وتجنُّب ازدواج المصالح بين تسنُّم المنصب الرسمي والعمل التجاري يعتبر طرحاً متقدماً وعادلاً، ومن الحق أن نساندَ سمو الأمير لتحقيق هذه المبادئ السامية. كما أن تخصيص 30% من ملكية مُجمَّع السّيف التجاري للأسر المحتاجة يُعتبر البداية الصحيحة لتدشين نظام رعاية اجتماعيةٍ متطوِّر يرتبط بالنجاح الإقتصادي للمؤسسات التجارية التي أشرفت على تكوينها الدولة. ويندرج هذا الأمر بالنسبة لأمر سمو الأمير بإنشاء مُجمَّع تجاري في "سترة" ، والشروع في تنفيذ خطة وطنية للإسكان لإنشاء أربع مدن جديدة،وتخفيض التعرفة الجمركية على كافة السِّلع إلى 5% ،كلُّ ذلك يجب أن يكون محلَّ اعتزاز وتقدير ومساندة من جميع أبناء الشعب الذين ينتظرون تحقيق كلَّ طموحاتهم.
إن تحسين مستوى المعيشة للمواطن ،وتلبية احتياجاته الحياتية سيضمن نجاح المشروع الإصلاحي السياسي .فالمواطن الذي يرتفع مستوى معيشته ،وفي الوقت ذاته يستطيع المشاركة في إدارة شئون بلاده يستطيع أن يطور نفسه ومجتمعه ويستطيع أن يبدع .
الثاني: الإنتخابات البلدية:
إن صدور قانون البلديات يعتبر إنجازاً هماً ،ونأمل أن يتمَّ تكميل بعض النواقص في القانون الذي صدر .ويمكن إجراء التعديلات حسب الدستور عندما يعود البرلمان المنتخب. إننا نعتقد بأن قانون البلديات الذي صدر يعتبر بداية جيدة ومتطورة من حيث الأسس. ولكن القانون يحتاج أيضاً لبعض التطوير ،لكي يتمكن المجلس البلدي من ممارسة جميع صلاحياته الدستورية دون خوف من السلطة التنفيذية. ولذا فإننا ندعو الجميع بالتجاوب الإيجابي مع العمل البلدي ،والمشاركة في إنجاحه، وتطويره لاحقاً من خلال المجلس النيابي المنتخب. كما أنَّا نأمل أن يفسح المجال لمشاركة الفعاليات الإجتماعية الإختصاصية ، والنابعة من الجمعيات الأهلية المنتخبة ،نأمل أن يفسح المجال في مناقشة وإعداد قانون الإنتخابات ، وتوزيع الدوائر لكي نتمكن جميعاً من مساندة مشروع الإصلاح الذي يقوده سمو الأمير.
هذا ونسأل الله تسديد الخطى للصالح العام. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،وإلى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد.