حديث الجمعة 20/7/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الاخوة والاخوات، ايها الابناء والبنات، سلام من الله عليكم ورحمة وبركات. أما بعد فقد قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد:
((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ان الله عزيزٌ حكيم)). التوبة 71.
ايها الاحبة: ونحن نعيش اليوم في بعض آفاق وأجواء هذه الآية المباركة، التي ذكرت بعض الصفات والأخلاق والممارسات الأساسية للأمة المؤمنة، والمجتمع الذي يعيش الخلق الايماني، وينطلق في سلوكه وممارساته من الضوابط والثوابت الدينية الاسلامية. وفي هذه الآية المباركة دلالة صريحة على أن الوجود الإيماني في هذه الحياة وجود فاعل، فلا يلتقي مع هذا الوجود أبداً السلبية، فهو أي: الإنسان المؤمن مسئول عن صنع الموقف من اي حدث من الأحداث (وقفوهم انهم مسئولون)، ولا يلتقي هذا الوجود مع الانهزامية، ما دام يعيش أطروحة الإسلام الأطروحة الإيجابية الفاعلة الصامدة، ولا يلتقي هذا الوجود مع الحيادية، فإنه أي الإنسان المؤمن يقف أمام طرحين متقابلين أو صفَّّين متصارعين فلا بد أن يكون مع الصف الذي يجب عليه أن يكون معه، ويندمج فيه وهو صف الحق.
ومن الخير أن أذكر هنا حديثاً للإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام وهو الإمام الحسن العسكري (ع) قال:( المؤمن بركة على المؤمن وحجة على الكافر) فهذا النص من السنة المطهَّرة التي هي كلام المعصوم وفعله وتقريره كما قُرِّر في علم الحديث- هذا النص هو الآخر يعلن بأن الوجود الإيماني وجود فاعل، حاضر يعيش في الساحة ويقدم لكل قضية حسابها ويقف منها الموقف المطلوب إسلامياً.
ولي هنا وقفة أطرح فيها التساؤل التالي:
لماذا وبأي مبرر وما هو الدافع لكون الشخص الذي يدخل في دائرة الايمان والمؤمنين عنصراً سلبياً، أو انهزامياً، أو حيادياً، أو عنصراً خادلاً، أومثبطاً ومعرقلاً لعمل الخير أو مثيراً للمتاعب في وجوه العاملين، والسائرين على درب الإصلاح للأمة والوطن؟
ويأتينا الجواب: إن هناك دوافع لمثل هذه المواقف السيئة، والسلوك المشين غير منطقية، ولاموضوعية، ولاواقعية، من تصورات خاطئة، أو معادلات فاشلة، أو أنانية تجعله يخشى أن يكون لغيره ظهور أو وجود يؤدي الى كشف زيف شخصيته الوهمية، أو عدم وضوح رؤية نتيجة لعدم فهمه وتفهّمه ما يجب وما لا يجب، وما ينبعي وما لاينبغي، أو رجاء أو خشية من ليس أهلاً لذلك وهو من لا يملك أن ينفع أو يضر لأنه مخلوق ضعيف، أو إرضاء من لايستحق الإرضاء، اشتراء لرضاه بسخط الخالق المالك المطلق، توهُّماً أنَّ العزة والقوة والمنعة في إرضاء المخلوق الذي لا يستحق الإرضاء، وتجاهلاً أن الإرضاء لأيٍ كان على حساب الحق، وعلى حساب مصلحة الأمة، ومصلحة الوطن، وعلى حساب القيم الدينية فسوق بل هو مروق من الدين، وتجاوز للإسلام كله. وما أعظم ما جاء عن الإمام الحسن العسكري (ع) في هذا المجال، فقد قال:" ما ترك الحق عزيزا إلا ذل، ولا اخذ به ذليل إلا عز". وقال الامام علي بن الحسين السجاد (ع) في دعائه "فكم قد رأيتُ ياإلهي من أناس طلبوا العز من غيرك فذلوا، وراموا الثروة من سواك فافتقروا، وحاولوا الإرتفاع فاتضعوا". وقد قال الله تعالى ((ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)). فالمؤمن –أيها الأحبة- عزيزٌ بتمسكه بالحق، قويٌ في فكره وسلوكه ومواقفه، لايستسلم للقوى الوهمية التي تفرض نفسها آلهةً للبشر، ولا يركن إلى بواعث الشهوة والهوى، يطاول بعزته الجبال الشمَّاء شموخاً وأنفةً. وقد قال الإمام جعفر الصادق (ع) "المؤمن أعزُّ من الجبل، الجبل يُستقلُّ منه بالمعاول، والمؤمن لا يُستقلُّ من دينه".
وخلاصة الكلام: -أيها الأحبة- إنَّ الوجود الإيماني الفاعل الذي تحدثت عنه الآية المباركة من خلال وصفها للمؤمن فرداً ومجتمعاً بأنَّه يلي من المؤمن مالا يليه غيره من رعاية وإسناد، ونصر وتمثيل، ومؤاساة ومؤازرة، وأن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويؤمن بالله تعالى.
وإن الوجود الإيماني النافع المؤازر الذي يعبِّر عنه الإمام العسكري(ع) –في حديثه الآنف الذكر- بأنَّه بركة على المؤمن، والوجود الإيماني الخاذل الرافض لكل انحراف، وانهزامية، ولكل المواقف الهدَّامة والتخريبية، والمضرة بالأمة والوطن والذي يعبِّر عنه الإمام العسكري -في الحديث المشار إليه أيضاً- بأنه حجة على الكافر لهو الوجود الإيماني الصحيح والمطلوب والبنَّاء، والذي لا يقبل الله سواه.
وانطلاقاً من الحديث عن الوجود النافع المعطاء،أجد لزاماً عليَّ أن أسجل موقف إكبار وتأييد لما طالعتنا به الأيام القليلة المنصرمة من أعمال نافعةً وأقوال بنَّاءة، حسب الأرقام التالية:
1- طالعنا صاحب السمو أمير البلاد بإصدار توجيهاته الكريمة بتنفيذ برنامج لكفالة الأيتام، يتمثَّل في تخصيص ثلاثين ديناراً لكلِّ يتيم من أبناء الأسر المحتاجة، تُصرف اعتباراً من شهر يوليو 2001م. إنَّه –أيها الأحبة- لموقفٌ عظيم يستحق الثناء والشكر وينسجم كل الإنسجام مع ما عوّدنا عليه سموُّه من خطوات رائدة ومكرمات هادفة متواصلة تمس احتياجات المواطن، وتهدف إلى تحسين وضعه المعيشي ،وفَّقه الله لبذل المزيد لشعبه الكريم الوفي.
2- وفي ذات السياق نعربُ عن خالص شكرنا وتقديرنا لصاحب السمو رئيس الوزراء الموقر على ما أمر به من تخفيض لرسوم التدريب للمواطنين المتدربين على حسابهم الخاص بمعهد البحرين للتدريب بنسبة ستين في المائة (60%)، الأمر الذي سوف يسهم ولا بدَّ في رفد مسيرة التنمية البشرية في البحرين0
3- نقلت صحيفة الأيام في الخامس عشر من الشهر الجاري تصريحاً لأخينا الفاضل الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة رئيس جمعية الإصلاح أعرب فيه عن إصرار الجمعية على مضيّها في طريقها نحو مد الجسور مع الطائفة الشيعية من أجل خدمة الوطن وإعلاء شأنه ، مستنكراً كلَّ ما من شأنه إذكاء روح الطائفية أياً كان مصدرُه. وإنني إذ أشدُّ على يده مباركاً وشاكراً، أؤكد له في الوقت ذاته أننا لن نحيد عن هذا الدرب اللاحب للوحدة ، تحقيقاً لعزِّ الأمة ومصلحة الوطن، وشجباً للمفرقين، والمرضى، والمسخّرين لضرب وحدة الأمة.
وبعد الإشادة المطلقة بهذه المواقف النبيلة، لابد لنا من وقفة تأمل عند الضوابط التي أعلنها مصدر مسئول بمؤسسة الشباب والرياضة فيما يتعلق بالمنتديات والحوارات الوطنية.
إننا نؤيد ما ورد في البند الرابع من هذه الضوابط والذي ينص على ضرورة الالتزام بالقانون والأنظمة وعدم الخروج عن روح الميثاق الوطني ومبادئ الدستور والحرص على سلامة الممارسة الديمقراطية، والحوار الصحي ونبذ كل ما يسيء إلى الوحدة الوطنية.
ولكننا نرفض بشدة تقييد الأنشطة الثقافية للأندية والجمعيات للحصول على رخصة مسبقة وموافقة على مكان عقد الندوة والمشاركين فيها، لأن ذلك يتنافى مع مبادئ الدستور والميثاق الداعية إلى حرية إبداء الرأي، وهو رجوع قهقري إلى ممارسة كبت الحريات في مرحلة ما قبل الميثاق.
ومن هذا المنطلق وحرصاً منا على سلامة المسيرة الإصلاحية نناشد مؤسسة الشباب والرياضة بإعادة النظر في هذه الضوابط بإعطاء الثقة التامة للمؤسسات الثقافية المرّخصة كي تمارس دورها بحرية تامة فإذا ما استغل أحدٌ هذه الأجواء وانتهك القوانين وتجاوز الخطوط الحمراء فليخضع حينها للمسائلة وإجراءات القضاء.
وختاماً أيها الأحبة أحيطكم علماً بأني مغادر غداً إن شاء الله تعالى إلى الأردن للإستجمام وإجراء بعض الفحوص الطبية، وسيقوم بوظيفة إمامة الصلاة يوم الجمعة في هذا المسجد فضيلة الشيخ علي فاضل الصددي حفظه الله تعالى ريثما أعود. أسأل المولى عزَّ وجل أن يعين على تعجيل الأوبة، وتخفيف أيام الغيبة، وأن يجمع شمل سروري بكم، ويمتعني بالنظر إليكم، إنَّه سميعٌ مجيب الدعوات. ( ولا تنسوني من صالح الدعوات في أعقاب الصلوات).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعلى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع المؤمنين والمؤمنات رحم الله من يقرأ الفاتحة تسبقها الصلوات.