حديث الجمعة 6-صفر 1423هـ/ 19-4-2002م لسماحة الشيخ الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) القفول -المنامة

بسم الله الرحمن الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، والتابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين. أيها الأحبَّة: سلامٌ من الله عليكم ورحمةٌ وبركات، وبعد: فقد قال الله تعالى:  {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} (النصر) صدق الله العلي العظيم. في هذه السورة المباركة وعدٌ من الله عز وجل لنبيه محمد(ص) بالنصر والفتح، وأنَّه سيرى الناس يدخلون عندما يكون هذا النصر والفتح في دين الله أفواجاً، والمراد بدين الله هو الإسلام لقوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} (آل عمران: 19). والأفواج جمع فوج والفوج هو الجماعة، والمعنى سيدخل الناس في الإسلام جماعة بعد جماعة. والمراد بالفتح هنا فتح مكَّة الذي هو أعظم وأكبر الفتوحات التي حقَّقَها الرسول(ص) في حياته، والنصر: هو الفتح العظيم،وهو الذي بشَّرَه سبحانه به بعد صلح الحديبية في قوله تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً*لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً*وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً} (الفتح1-2-3). ويكون وعد الله تعالى وتبشيره لنبيه(ص) بهذا النصر والفتح من ملاحم القرآن الكريم. وفي هذه السورة أمر من الله سبحانه لنبيه(ص) بتسبيح الله، وهو تنزيهه وإجلاله، وبتحميده، وهو ما يناسب ما تحقَّقَ له(ص) من إذلال للشرك، وإعزاز للتوحيد، وبعبارةٍ أخرى:إبطال للباطل وإحقاق للحق، كما في السورة أمر منه سبحانه باستغفاره، وهو أن يذكر(ص) حاجته  إلى المغفرة بقاءً واستمراراً ، كما هي الحاجة حدوثاً، وهو(ص) بلا شكٍّ مغفورٌ له. وقد بيَّن سبحانه بعد الأمر بالإستغفار أنَّه كان توّاباً،وهذا تعليل للأمر بالإستغفار، ولا يخلو من التشويق والتأكيد له.  والسؤال الذي أريد طرحه الآن: هل للقضية الفلسطينية علاقة بالفتح والنصر مع ما فيها من مجازر وأهوال وفجائع؟    أيها المؤمنون والمؤمنات: يأتي حديثنا اليوم والأمَّة الإسلامية تعيش أحلك المحن،وتمرّ بأشد المراحل خطورة..... فليس على الإنسان إلا أن يفتح جهاز التلفاز ليشاهد بأمِّ عينيه ما يجري في الأراضي المقدّسة من قتل، وتشريد وتدمير لكلِّ ما يمت للإنسانية بصلة.

فليس هناك أفظع من هذه الجرائم

وليس هناك أبشع من هذه الممارسات

ولكن أقول لا يتسرَّبنَّ اليأس لأحدٍ منَّا، ولا يشعرن أحدٌ منَّا أن لا أمَلَ في النصر. بل أقول- وأرجو أن لا تستغربوا : إنَّ القضية الفلسطينية اليوم تعيش أفضل حالاتها، وأحسن فتراتها. تعالوا- أيها الأخوة والأخوات- نقف عدَّة وقفات، وهي علامات النصر، وتباشر النصر إن استُغِلّتَ أحسن استغلال:

1.     القدس أَولى الأولويات: اليوم تعيش الأمَّة الإسلامية الإرتباط الحقيقي بالقضية المركزية، وهذا النصر حقيقي.... أجل هذا نصر حقيقي:

* فالمظاهرات المتواصلة في شوارع الدول الإسلامية

* والمحاضرات،والندوات، والمهرجانات في كلِّ بلدٍ من بلدان العالم، والإعلام من قنوات فضائية، وصحافة كلّها حاضرة تُغطِّي وتنقل الوقائع ساعة بساعة. هذه الوسائل ولا شك أنتجت وأثمرت وأعطت في المجال الإقتصادي دعماً مادّياً كان مفقوداً، وفي المجال السياسي شكَّلت ضغطاً على الأنظمة العربية والإسلامية كان مفقوداً.  تصوَّروا لو كانت هذه الفعاليات فيما مضى حاضرةً حيَّةً في حياة الأمَّة ماذا وكيف ستكون النتيجة؟؟ لو كانت هذه الفعاليات حاضرة هل كان بإمكان السياسيين أن يتلاعبوا بالقضية الفلسطينية؟

لو كانت القضية الفلسطينية حاضرة في الأمَّة هل كان بإمكان بعض السياسيين أن يزايدوا ويتاجروا بالقضية؟ كلاّ ثمَّ كلاّ. أيها المؤمنون والمؤمنات: أنا لا أتكلَّم عن مسئوليات الأنظمة فقد تحدَّثنا عنها فيما مضى بل أتكلَّم عن الشعوب والدَّور الذي يجب أن تلعَبَهُ في هذه المرحلة. يجب أن تكون القدس أَولى الأولويات في برامج الشعوب، وأَولى الأَولويات في مشاريع الشعوب السياسية والإقتصادية والثقافية.

2.     القدس أهم القواسم المشتركة: أيها المؤمنون والمؤمنات لقد لاحظتم كيف شارك السّني بجانب أخيه الشّيعي في المسيرات والفعاليات الداعمة للقضية الفلسطينية وهذا نصرٌ حقيقي. وهل هناك قضية يمكن أن تربطنا جميعاً أهم وأشد من هذه القضية المركزية؟؟ كلمة أقولها بلا مبالغة ولا مزايدة، ولن يزايد عليها  إلا منافق.أبنائي بناتي كلمة أقولها للسني والشيعي: ضعوا  الشّكوك والوساوس جانباً، وضعوا أيديكم في أيدي بعضكم البعض، ليس في الكلام، بل في العمل والتطبيق، في المشاريع والبرامج والفعاليّات، فليس هناك وحدةً حقيقيةً أشد من وحدة الدين والهدف والمصير.... فلتستمر هذه الوحدة، ولتنعكس على شعاراتنا. نعم حتى الشعارات والهتافات والإعلام.... فاختاروا-أيها الأحبَّة- ما يجمع ويوحِّد، فلا خير في شعار يُفرِّق، ولا خير في هتاف يُفرِّق.

3.     القدس تفضح المجرمين: اليوم القدس فَضَحَت الصهاينة الغزاة، وفضحت الأمريكان المساندين للصهاينة. لا تقولوا كما هو منطق البعض من العرب:  { شارون هذا مجنون جرَّ المنطقة للحرب}.فإنَّ الحقيقة أن لا فرق بين شارون وبيريز كلّهم مجرمون وكلّهم غزاة. السياسيون يتحدّثون فيما سبق عن الصلح والسلام والتطبيع. هل يمكن أن يتحدَّث أحد عن السلام الآن؟؟ بالأمس كان العالم الغربي مع الصهاينة،ولكن العالم الغربي الآن اليوم مندهش مما يفعله الصهاينة بالأبرياء في فلسطين.  فصرخة القدس هذه الأيام فضحت أمريكا وعرَّت شعاراتها!! فأين حقوق الإنسان؟! وأين شعار مكافحة الإرهاب؟! فها هي كنيسة المهد في بيت لحم موقع مولد المسيح(ع) أقدس بقعة عند المسيحيين، ها هي تُحاصر وتُحرق ولا صوت من الغرب يُندِّد أو يستنكر؟!! بل إنَّ الجواب جاء على لسان الرئيس الأمريكي: إنَّ شارون رجل سلام!!!! فالمجازر في جنين ونابلس ورام الله وقبلهم صبرا وشاتيلا شواهد على أنَّ شارون رجل حرب لا سلام.

 

وقفة مع الشهيد محمَّد جمعة:

وأخيراً وقفة مع الشهيد محمد جمعة، أولاً أقول: هنيئاً لهذا الشاب الذي سقط شهيداً في حركة دعم للشعب الفلسطيني وإعلان للإستنكار والإحتجاج ضد عدوان الصهاينة وإسناد الإدارة الأمريكية لهم ضد فلسطين. وأقول ثانياً- كما قلنا في بيان العلماء- إنَّ التحقيق في قتل هذا الشاب يجب أن يكون مستقلاً وحيادياً. وأُضيف الآن: أنَّه ينبغي رفع قضية ضد وزارة الداخلية، يترافع فيها محامون مخلصون، يساعدهم في ذلك التقرير الطبي الذي حُرِّرَ بشجاعةٍ وأمانة. كما نُقدِّر ونقف مع جمعية الأطباء ،والأطباء الشرفاء الذين أصدروا البيانات التنديدية بسلوك قوَّات الشغب، وطالبوا برد الإعتبار للمواطنين، ولمهنة الطب التي اعتُديَ عليها في حرم المستشفى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.وإلى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد.