حديث الجمعة 18/5/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. قال الله تعالى ((وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)). البقرة 143. أيها الأخوة والأخوات أيها الأبناء والبنات: سلامٌ من الله عليكم ورحمة وبركات.
أيها الأحبة: سوف يكون حديثنا اليوم على ضوء الآية المباركة وامتداداً لبيان ملامح الخط الوسطي،حول ملمحٍ رابع، وهو: البعد الجماهيري.
لا شك أن البعد الجماهيري لأي قضية أكثر ضماناً لنجاحها وأكثر سلامةً وبعداً عن الخلافات والنزاعات حينما تتبنى الجماهير الموقف أو القضية. بخلاف ما إذا كان الموقف أو القضية أو الخط فئوياً تتبناه فئة من الناس، أو حزبياً يخضع لقناعة وتبني حزب معين، أو إقليمياً يتبناه إقليم معين، أو طائفياً ترفع شعاره طائفة معينة. البعد الجماهيري للموقف أو الخط يجعل الموقف أو الخط أو الاتجاه أكثر نجاحاً وتأثيراً، لأنه يكون بعيداً عن الاختلافات، وكلما كان الموقف يمتلك بعداً جماهيراً كان أكثر قوة، وأوسع تأثيراً. ولا أعني بجماهيرية الخط الفوضى واختلاط الحابل بالنابل والعالم بالجاهل، والساذجية والعشوائية، وإنما أعني الجماهيري الذي يمتلك الموقف القوي الصامد، والأسلوب السليم الحكيم المؤثر، والوعي النابع من دراسة وتخطيط، والشاعر بمراقبة الله تعالى له في تحركه وممارساته فلا يفعل ولا يقول الا الحق، ولا يطالب إلا بالحق، ولا يرفض إلا الباطل.
ايها الأحبة: وأود توضيح الفكرة أكثر فأقول:
إننا حينما اعتمدنا الحوار منهجاً نلتزم به، ورأينا بأن الحوار يجب أن يكون مفتوحاً مع سائر الفئات والفعاليات الإسلامية والوطنية، فإننا بذلك دخلنا في تفاعل مع كل فئات المجتمع لنواجه كل عقبات التغيير والإصلاح متسلحين بالأساليب العلمية والمنطقية الكفيلة بإحداث النقلة في أوساط الجماهير إلى آفاق أرحب.
وعلى هذا فنحن نعطي البعد الجماهيري في تحركنا أهمية قصوى، فالجماهير هي ميدان العمل الاجتماعي والإصلاحي. نريد أن نكون مستوعبين لقضايا المجتمع وآلامه وآماله، ونعمل في وسطه من أجل المساهمة في التخفيف عنه ودفع أموره إلى الأمام.
ويتصل –أيها الأحبة- بالبعد الجماهيري آلية المناسبات الاسلامية للتوحيد بين أبناء الامة , أجل ان المناسبات الإسلامية تشكّل محطات نتوقف عندها ونراجع أنفسنا ونرى كيف نرتقي من خلال المناسبات الدينية نحو الأفضل.
المآتم الحسينية والمواكب الحسينية والاحتفالات الإسلامية تشكّل معلماً حضارياً للحركة الإسلامية، ووسيلة هامة جداً للتفاعل والتقارب بين سائر أفراد وفئات الشعب، هذه المناسبات المباركة تضيف بعداً مهماً للحركة الإسلامية وتجعلها في موقع ريادةٍ بين سائر الحركات.
وهناك ومن خلال هذه المناسبات تفاعل بين ا لكوادر الإسلامية وسائر أبناء الشعب، وهناك تأثير وتأثر متبادل بينهم، وفي مثل هذه الأجواء يتم صناعة الرأي العام وتوجيهه نحو مرضاة الله , ويتم تقديم الوجه الحضاري المشرق للمذهب للآخرين.
نحن نعتمد مثل هذا التلاحم بين الأمة أسلوباً للعمل بعيداً عن التشكيلات التنظيمية في صورها التقليدية.
نعم هذا الأسلوب المفتوح في العمل لا ينفي وجود قدر من التنسيق والتنظيم للعمل الذي هو مطلب مهم وبدونه لا يثمر شيئا، إنما التركيز على البعد الجماهيري لإعطاء الفرصة للجميع للمشاركة والمساهمة في إثراء الحوار ودفعه إلى آفاق أكثر رحابةٍ كي نصل إلى النتائج المرجوة. إن العمل في الوسط الجماهيري بحاجةٍ إلى كثير من الانضباط والتقيد بالأحكام الفقهية والقواعد الأخلاقية وإلا كانت الفوضى والهمجية هي المصير لمثل هذه الأنشطة والأعمال. وفي ذكرى أربعينية سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) كانت الصورة المشرّفة للموكب الحسيني بارزة في العديد من المواقع الإسلامية والتي نفخر ونعتز بها. فالتطور في الأساليب مستمر مما يعكس الهمة العالية لدى القائمين على المأتم في إبراز الشعائر بالصورة اللائقة بها كي تتمكن من إيصال الصورة المناسبة عن قضايانا ورسالتنا إلى الآخرين.
الموقف من التطبير:
وكم يؤسفني أن أقول بأنه وسط هذا التوجه المبارك كان من بيننا من لم يواكب هذا التطور والتنقية لأساليب الموكب والارتفاع بالموكب عن كل ما يسيء إلى المذهب وإلى الدين الإسلامي بشكل عام. كم يؤسفنا أن نعرف بأن أفراداً لا نعرف إلى ماذا يهدفون، سعوا وبذلوا الكثير من الجهد والوقت من أجل التغرير بالبعض لحرف مسيرة الموكب الحسيني والعودة به إلى الوراء، إلى وضع سيء قد أنقدنا الله منه بفضل فتاوى وتوجيهات المراجع والأعلام من هذه الأمة. وكم كانت هذه العودة للتطبير مأساوية، وما هو موقف هؤلاء الذين عملوا من أجل عودته الآن، وهل سيبرؤون أنفسهم من مسئولية دم هذا الشاب الذي تُرك بعد سقوطه من جراء التطبير ينزف حتى الموت! ولدى اسرة الفقيد شهادة الوفاة من الطبيب الشرعي وهي دليل واضح على ادانة القائمين بالتغرير وحرف مسيرة الموكب.
وأرجو أن أنبّه هنا إلى أن تقوّل البعض على أحد كبار مراجعنا وهو آية الله الشيخ جواد التبريزي (دام ظله) تقولٌ ثبت بطلانه، حيث استلمت البارحة رسالة بالفاكس تحمل فتوى سماحة الشيخ (دام ظله) الذي أدُعي عليه بأنه أفتى بشرعية التطبير وحاصل التحرير الذي وردني أنه يتضمن جواب على سؤالين:
السؤال الأول: ما هو نظركم المبارك في ما يخص بإقامة الشعائر الحسينية خاصة الزنجيل والتطبير؟
الجواب: كل جزعٍ على مصائب سيد الشهداء وأهل بيته وأصحابه (ع) مطلوب ومأجور عليه واللطم ولو بالزنجير المتعارف عند المواكب كالضرب على الرأس والفخذين والبكاء والعويل كل ذلك داخل الجزع وأما التطبير ففي دخوله فيه تأمل فالأفضل الاقتصار على ما ذكرنا والله العالم.
السؤال الثاني: ما رأي سماحتكم في مسألة التطبير؟
الجواب: دخول التطبير في قضية الجزع على سيد الشهداء (ع) وأهل بيته وأصحابه (ع) غير محرز فينبغي للمؤمنين اختيار ماهو محرز كالبكاء واللطم على الصدور وإقامة المواكب وإخراجها إلى الأماكن العامة بقدر الإمكان في العزاء، وفقكم الله لخدمة أهل البيت (ع) وجزاكم الله خيراً في الدنيا والآخرة.
هذا هو رأي سماحة آية الله الشيخ التبريزي وكل من السؤالين وجوابهما معروض على موقعنا بالإنترنت.
والآن أرجو أن أعرف ما هو موقف القائمين على موكب التطبير من أسرة الفقيد وتحميلهم إياهم المسئولية ضمن بيان أصدرته هذه العائلة وهو يفيض ألماً وحزناً وهجوماً عنيفاً على المتصدين لموكب التطبير والمتسببين في وفاة إبنهم. وأتساءل ثانية إن كانت هذه الحادثة المأساوية ستجعل هؤلاء يعيدون النظر في موقفهم وينظرون جيداً إلى العواقب قبل فوات الأوان، خاصة أنهم في طريقهم لتمييز أنفسهم وإبعادهم عن الآخرين في وقتٍ نحن أحوج ما نكون فيه للتلاحم ونبذ الفرقة. وأن هؤلاء الذي تكلمت في الشأن والذي يخصهم أخوةٌ وأبناءٌ لنا، نريد لهم الخير، آلامهم آلامنا، وآمالهم آمالنا، فأرجو أن يعيدوا النظر في الأمر، وأسال الله لهم التسديد والتوفيق والبعد عن كل ما لا يليق بهم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. والى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع العلماء وجميع المؤمنين والمؤمنات ارجو قراءة الفاتحة تسبقها الصلوات.