حديث الجمعة 4/ ذو القعدة/1422هـ - 18/1/2002م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) -القفول -المنامة

 

بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين،وأصحابه المنتجبين،والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. أيها الإخوة والأخوات،أيها الأبناء والبنات،سلامٌ من الله عليكم ورحمةٌ وبركات،وبعدُ:فقد قال الله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} (الروم:54)صدق الله العلي العظيم.أيها الأحبَّة: سوف يكون كلامنا على ضوء الآية المباركة امتداداً لما ذكرنا في الحلقة الأولى من حلقات الحديث عن الشباب،ونظراً إلى أنَّي شاركتُ في الأسبوع الماضي في مؤتمر:{علماء الإسلام تحت عنوان إنقاذ القدس ونصرة الشعب الفلسطيني تكليف شرعي وواجب جهادي}،فإنِّي سأتكلًَّم حول هذا المؤتمر،ثم أعود إلى بحثنا حول الشباب على ضوء الآية،فأقول:لي حول هذا المؤتمر وقفتان سريعتان.

الأولى:المؤتمر رمز الدعم والصمود: فلقد شكَّل حضور أكثر من مائتين من علماء الإسلام من أكثر من ثلاثين بلداً جاءوا من كلِّ حدبٍ وصوب إلى بيروت بلد المقاومة والتحرير،جاءوا والداعي منهم،جئنا نستلهم الدروس والعبر،ونستلهم روح المقاومة والصمود،وجئنا نُعبِّر للعالم،ولأعداء الدين وإسرائيل بالخصوص عن دعمنا وتأييدنا المطلق للقوى الوطنية والإسلامية الشريفة التي تُقاتل دفاعاً عن أرضها ومقدَّساتها المحتلَّة،بل تُقاتل دفاعاً عن جميع المسلمين......وجئنا لنقول للعالم:إنَّ هذه القوى ليست حركات إرهابية،وإنَّ الإرهاب كلُّ الإرهاب يكمن في إسرائيل التي ما زالت تحتلُّ الأراضي،وتقتل،وتُشرِّد،وتهدم البيوت بمرأى ومسمع من العالم دون أن يتحرَّك لردعها ومنعها أحد.الوقفة الثانية لي حول المؤتمر أعنونها بـ{المؤتمر والأولويات}:وحسناً أن يختار المؤتمِرون موضوع القدس عنواناً للمؤتمر،فليس هناك قضية مركزية يمكن أن يجتمع عليها المسلمون أهم من القضية الفلسطينية.وفي اعتقادي أنَّ هذا هو أهم الدروس التي ينبغي أن يُركِّز عليها المسلمون وهي مسألة الأولويات،وما هذا التَّشتت والتَّشرذم إلا بسبب غياب الأولويات والإنشغال بالأمور الهامشية،فالبعض لديه أولويات ضد جمعية،والبعض الآخر منشغل في حرب ضد السنة أو الشيعة،وهكذا، وكأنَّ الإسلام كلّ الإسلام ليس في أولوياته.

 

أيها الأحبَّة:

مسألة الأولويات مسألة خطيرة جداً إذا أغفلناها،أجل-خطيرة على المستوى الإسلامي والوطني،وحتى على مستوى العشيرة والأفراد...فحذار حذار من الإنشغال بالتوافه والهوامش على حساب الجوهر والأصل.مسئوليّاتنا الآن-أيها المؤمنون والمؤمنات-أن نُوحِّد الكلمة،ونجمع الصفوف،وأن لا نسمح لأحد أياً كان أن يتلاعب بهذا الموضوع،وليس هناك من يستفيد من التمزُّق والإختلاف على مستوى الطائفة والبلد والهويّة إلا أعداء الأمَّة والدين.والآن أعود للكلام على ضوء الآية المباركة حول موضوع الشباب،فأقول:إنَّ من الوضوح بمكان أنَّ مرحلة الشباب من مراحل العمر خير مرحلة يمرُّ بها هذا الإنسان، فهو دُرَّةً ثمينةً لا يُعرف لها ثمن،ولا يُدرى لها قدر،ولذلك أشادت الآية المباركة.....بالشباب حينما وصفت هذه المرحلة الحسَّاسة بالقوَّة. الشباب مسئولية:  ولقد جاء إضافة إلى الآية في عدَّة نصوص دينية الإشادة بالشباب،والدعوة إلى استثمار هذه المرحلة الهامَّة من العمر الإنساني.قال رسول الله(ص):{لا تَزِلُّ قدما العبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع،عن عمره فيما أفناه،وعن شبابه فيما أبلاه،وعن علمه كيف عَمِلَ به،وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه}.والملاحظ أنَّ هذا الحديث الشريف أُفرِدَت فيه مرحلة الشباب بالذكر مع إنَّها داخلة في العمر،وذلك للأهمية.وقال(ص):{اغتنم خمساً قبل خمس:شبابِكَ قبل هرمِك،وصحَّتِكَ قبل سقمك،وغناك قبل فقرك،وحياتك قبل موتك،وفراغك قبل شغلك}.وقال(ص):{ما من شيءٍ أحبُّ إلى الله من شابٍّ تائب}.وقال عليٌ أمير المؤمنين(ع):{إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنَّة فلا تبيعوها إلا بها}.

 

سرِّ الإهتمام بالشباب:

ومن نافلة القول أن أذكر السّر في الإهتمام العظيم والفريد بالشباب من قِبَل الإسلام.فالشباب معْقد أمل الأمة،والعِرق النابض بالحياة في كيانها،فبِهِم يٌبنى كيانها،وعلى سواعدهم يُشاد صرحُ عزَّتِها،وبذهنيَّتهم الوقَّادة تنطلق عجلة النهضة العلمية.لذلك فإنَّ مهمَّتهم في الحياة والمجتمع جدُّ خطيرة،والمسئولية الملقاة على عواتقهم جدُّ كبيرة،والآمال التي تُعلَّق عليهم جدُّ عريضة،لأنَّهم في سنِّ البذل والعطاء،وفي مرحلة العمل والبناء.ولقد كان للشباب دوره العظيم والفاعل في التأريخ الإسلامي، فإنَّ الكثير ممَّن قامت الدعوة الإسلامية على عواتقهم كانوا من الشباب،كما أنَّ الكثير من السابقين إلى اعتناق الدعوة الإسلامية،والمتفاعلين بسرعة معها،والذائبين فيها،والمُضحِّين بأرواحهم وكل طاقاتهم في نصرتها من الشباب.مشاكل الشباب:يحسن أن نقوم بمسح عام لمشاكل الشباب،هذه المشاكل التي تشغل تفكيرهم وتقلق نفوسهم ،وربَّما تقض مضاجعهم.....هذه المشاكل متنوِّعة،ومتعدِّدة،ولا شك أن للأوضاع البيتية والبيئية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية دخْلاً كبيراً في وجود هذه المشاكل،ونشوئها،وتعقّدها،وهذا سوف نتعرَّض لتفصيله في بحوثنا الآتية إن شاء الله تعالى. والآن أمامي بعض مُسبِّبَات ومظاهر واحد من الأوضاع الضاغطة الآنفة الذكر،وهو الوضع الإقتصادي.

 

وقفة مع مظاهرة الباحثين عن العمل:

فمظاهرة الباحثين عن العمل من أبنائنا يوم الأربعاء 16/1/2002م في المنطقة الدبلوماسية بالعاصمة يُعبِّر عن وضع اقتصادي ضاغط،كما أنَّ خروج هذه المظاهرة بصورةٍ سلميةٍ يُعبِّر عن المرحلة الحالية التي نعيشها،وإنِّي من جانب أتوجَّه للسلطات بالشكر لتفاعلها مع الباحثين عن العمل بصورة حضارية من خلال السماح لهم بالتعبير عن آرائهم،والمطالبة بحقوقهم المشروعة.فمشكلة البطالة تُثقل كاهل العملية السياسية،ونحن جميعاً بحاجةٍ  للتوجُّه لحلِّها.نعم نحن بحاجة لقرارات عليا لفسح المجال أمام أبنائنا أبناء البحرين للدخول في جميع مجالات العمل في القطاعين العام والخاص.ونحن بحاجة إلى أن يبادر أبناؤنا للدخول في برامج التدريب،لكي يستطيعوا دخول سوق العمل كأيدي ماهرة.وإننا بحاجة إلى وضع الضوابط اللازمة للحد من العمالة الأجنبية السائبة،وبحاجة لقوانين ترفع مستوى المعيشة للمواطن.....
الإلتزام بالأساليب الحضارية:

نعم وأود أن أضيف إنني بودِّي أن أدعو أبنائي الشباب للإلتزام بالأساليب الحضارية،وأن يبتعدوا عن جميع الأعمال غير المنظَّمة على أسس مشروعة،وأن لا ينجرَّوا لأعمال عنف أو مواجهات مع الشرطة.....فقد وصل إلى مسامعي أنَّ عدداً من الشباب سمع تصريحاً لوزير العمل حول خروج عدَّة مئات من الشباب في مظاهرة ،وعلمتُ أنَّ التصريح أُسيء فهمه من قِبَل بعض الشباب، وإنَّهم بسبب ذلك قد يلجئون لأساليب غير مقبولة قانوناً للتعبير عن انزعاجهم.إنني أُوصي-أعزائي- بالتعاضد والتواصي للإبتعاد عن الإثارات غير المحمودة العواقب،وإنني أدعوكم لتنظيم أموركم حسب ما تتَّفقون عليه مع من انتخبتموهم أو ستنتخبونهم لتمثيل وجهات نظركم أمام المسئولين.فقد قال عليٌ أمير المؤمنين(ع) في وصيته لأولاده:{وعليكم بتقوى الله ونظم أمركم}.

أعزائي الباحثين عن العمل: رجائي لكم هو الإلتزام بالنهج السلمي في التعبير عن آرائكم،ورجائي لكم هو قبول البرامج التي تُوفَّر لكم لتدريبكم، ورجائي لكم أن تقبلوا الدخول في جميع الوظائف التي تُفتح أمامكم،والتي ليس ثمَّة مانع شرعي من قبولها. أنا أعلم-أعزائي-أنَّ المشكلة معقَّدة، وأنَّ الضغط الماديَّ والنفسيََّ عليكم كبير جدَّاً،ولكن علينا أن لا نزيد من التعقيد من خلال ممارسات غير مدروسة.هذا ومن جدَّ وجد، ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه، والله مُسدِّد الخطى ،وهو من وراء القصد.  أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.وإلى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد.