حديث الجمعة 16/02/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، أيها الأبناء والبنات أيها الأخوة والأخوات:
قال تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" آل عمران 104، 105.
"لتكن" أمرٌ يدل على الوجوب لكنه من فروض الكفايات للتبعيض بـ"من" في "منكم"، ولفظة الخير عامة تشمل جميع ما يجب فعله وما يجوز تركه للوصول للفلاح والنصر دنياً وآخرةً بعيداً عن الاختلاف والفرقة. والحقيقة إن في هاتين الآيتين أمرين في غاية الأهمية ينبغي الوقوف عندهما:
· الأول: الدعوة الصريحة الجادة لأصحاب الكفاءات والعقول المفتوحة للانخراط في العملية الإصلاحية بلا تلكؤ ولا أعذار. والأمة المخاطبة هنا كل الأمة بغض النظر عن العناوين أو المسميات فالمقصود ليس "المعممين" في قبال "الافندية" وليس "علماء الدين" في قبال المهندسين والاجتماعيين أو أصحاب التخصصات الفنية. فالدعوة صريحة في الوجوب، والوجوب هنا لا يسقط إلا عند تحقق الكفاية، و"المدعوون" عنوان يشمل الجميع، والجميع هنا لم يُخصّص إلا بلحاظ الكفاءة، والخير خير الأمة يُسهم فيه عالم الدين والطبيب والمهندس والمرأة والرجل. وما أسهل الحديث يا أبنائي عن الخير والمعروف والمنكر بطريقة نظرية يغلب عليها العموم والإطلاق. لكن هذه السهولة تتحول إلى صعوبة وضياع حين يكون المطلوب رؤية واقعية محددة إذا لم يتكاتف الجميع وتتلاقح الأفكار وتتحد العقول. هذه الآية نداء للجميع للمساهمة في عمل الخير والدعوة إليه بصورة جادة لا سيما والخير هنا خير الوطن والمواطنين.
· الثاني: نهي صريح في الآية الثانية للابتعاد عن أسباب الفرقة والاختلاف. فلا نصر ولا أمان لأمة تعيش الفرقة وتكثر فيها الاختلافات والمنازعات. نعم يا أبنائي وبناتي، لا يمكن لنا أن نرفع شعار الخير وندعو للإصلاح وقلوبنا متنافرة وعقولنا مشتتة، إنها دعوة وفرصة لنا لمراجعة أنفسنا بالابتعاد عن كل ما يفرقنا ودعوة وفرصة للاجتماع والاتفاق على ما يوحدنا ويجمعنا. وفي ظل هاتين الآيتين خصوصا ونحن نعيش هذه الأيام فرحة الاجتماع واللقاء لقاء أحبتنا الأعزاء السجناء والمهجرين، لنا وقفة حول المستجدات قد نبدؤها بالسؤال الآتي: وماذا بعد الاستفتاء؟ ماذا بعد أن حصل الناس على أبنائهم سجناء أو مهجرين؟ وماذا بعد أن حصل سمو الأمير بنعم للميثاق؟ هل انتهت العميلة الإصلاحية أم بدأت؟ لا شك أنها بدأت وتحدياتها كثيرة ومتنوعة ونجاحها واستمراريتها هي مسئولية الجميع أميراً وحكومة وشعباً، ولنا في هذا الموضوع عدة محاور ستناول المحور الأول في هذه الخطبة ونترك الباقي للأسابيع القادمة:
أولاً: نبارك ونهنئ سمو أمير البلاد الشيخ حمد بن عيسى على هذا الإجماع الوطني حول مشروعه والذي قلّ نظيره في هذه المنطقة. هذا الإجماع والالتفاف ما كان ليحصل لولا جدية الأمير وصدقه مع شعبه، ففي بداية انطلاقة مشروع الميثاق وعد الأمير –حفظه الله- أن يستجيب لرغبات شعبه وشكك البعض في مصداقية هذه الوعود اعتماداً على تراكمات الماضي وسلبيات المرحلة السابقة. إلا أن الأمير في هذه النقطة وعد فأوفى وأصدر عفوه العام عن جميع السجناء السياسيين وسمح للمبعدين بالعودة إلى وطنهم قبل يوم الاستفتاء لتصبح سجون البحرين لأول مرة خالية من أي سجين سياسي. وللإنصاف فان الشعب أيضاً رد التحية بأحسن منها بدأت في الاستقبال الجماهيري لسمو الأمير عند زيارته لمنطقة سترة وانتهت بصناديق الاستفتاء بالاستجابة لمشروعه بنعم. فما أجمل أن ينفتح الأمير على شعبه وقواعده فيتعرف على حاجاتهم ورغباتهم، وما أجمل أن يلتف الجميع رجالاُ ونساءً حول أميرهم فتنكسر الحواجز ويفشل المغرضون والأجانب لتعود البحرين واحة أمن وسلام.
ثانياً: ضمانات نجاح العملية الإصلاحية: لا يمكن أن نتحدث عن عملية إصلاحية في بلد كان الدستور فيها معلقا لخمسة وعشرين عاماً دون الحديث عن خطوات وإجراءات تضمن لنا نجاح هذه العملية واستمراريتها:
1. تفعيل الدستور تفعيلٌ للميثاق: تفعيل الدستور تفعيل للمواد التي تعزز مشروع الميثاق وتخلق المناخ الصحي كحرية الصحافة وحرية تشكيل الجمعيات والنقابات. وتفعيل الدستور بحد ذاته هو تعطيل وإلغاء لتلك القوانين التي تسببت لكل ما عانيناه في المرحلة السابقة كقانون أمن الدولة. ونحن هنا نضم صوتنا مع صوت سمو ولي العهد في مؤتمره الصحفي بضرورة البدء مباشرة في تفعيل الميثاق بعد الاستفتاء مباشرة، فلا يصح أن يعقب الاستفتاء فراغ أو صمت فإن ذلك ربما يخلق شكاً أو غموضاً، الجميع في هذه المرحلة متفق على رفضه.
2. فتح باب الحوار واستمراريته: لقد قلت سابقا و أعيد هنا أنه ما كان لأزمتنا التي عشناها أن تكون لو كان هناك باب للحوار مفتوحاً يزيح الأوهام ويرسخ الثقة ويخلق التفاهم بين جميع الأطراف. فالميثاق فيه عموم وغموض يحتاج إلى توضيح، والعملية الإصلاحية تحتاج لخطوات وإجراءات تتطلب مشاركة الجميع ولا ينبغي استثناء أحد من هذا البرنامج الوطني، فالحوار حاجة وضرورة لضمان استمرارية العملية الإصلاحية.
3. تعاون الجميع: وفي هذه النقطة الأخيرة أقول إن المسيرة الإصلاحية لا يمكن أن تنجح إذا لم يتعاون الجميع كما قال سمو رئيس الوزراء الموقر، فالجميع منا يعلم أن ما يستغرق بناؤه أعواماً تهدمه كلمة أو فعل في ساعات أو دقائق. ولذلك فالجميع مطالب برص الصفوف حول مصلحة الوطن والابتعاد عن كل ما يعكر أو يضعف ذلك الهدف النبيل. فالحكومة ربما تحتاج لتقليل التواجد الأمني في الشوارع والأماكن العامة، والجماهير مطالبة أيضا بتخفيف بعض مظاهر الفرح وعدم الإفراط في ذلك، خصوصاُ وأن لدينا شهداء سقطوا في هذه الأزمة تحتاج عوائلهم لمزيد من المواساة والاهتمام.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، ورحم الله من قرأ سورة الفاتحة وأهدى ثوابها لجميع الشهداء والمؤمنين والمؤمنات.