حديث الجمعة 15/6/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، أيها الأحبة، أيها الأخوة والأخوات، والأبناء والبنات: فقد قال الله تعالى:(( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)) آل عمران 103.
أيها الأحبة:
حيث إننا وعدنا في الأسبوع الماضي أن نواصل الحديث عن ضمانات استمرار الوحدة وذكرنا منها (القواسم المشتركة) فإنني أرى قبل المواصلة في ذكر الضمانات أن أقول قولاً فيه شمول أكثر عن الوحدة، فأقول:
إن الوحدة شعارٌ جذاب تتوق إليه النفوس، ولا أتصور أن كاتباً أو جماعةً تهتم بالشأن العام لم تدع إلى الوحدة وتنادي بها، ولكن هل كل من دعا إلى الوحدة ونادى بها يعتبر صاحب توجه وحدوي؟. إن الوحدة بحاجة إلى إطار فكري واضح، فكل واحد منا يمتلك رأياً أو قناعةً مختلفة عن قناعة ورأي الآخرين، إنه لا سبيل لنا أن نفرض رأياً على الآخرين بداعي الوحدة، بل إن ذلك هو عين الفرقة والتشتت.
لا بد من أرضيةٍ مشتركة لجميع الفئات لتتحد عليها، هناك قناعات مشتركة تصلح أن تشكل منطلقاً للوحدة. لابد أن يكون لدينا الوعي الصحيح لما يصلح أن يشكل أرضية مشتركة.
نحن بطبيعة الحال لدينا قناعاتنا الفكرية والعقائدية وهناك أمور لا يمكن التهاون فيها وبها.
نعم، هناك أمور أخرى نجد مساحة واسعة للاتفاق مع الآخرين عليها، فلندرس قضايانا الفكرية بدقة ونميّز بين هذا وذاك لنكتشف الآفاق الرحبة للوحدة مع فئات متعددة من المجتمع.
أحياناً الكلام في الوحدة لا يستدعي البحث عن القضايا الفكرية والعقائدية المشتركة حين تكون داخل الصف الواحد، ولكن مع ذلك نجد لزاماً علينا أن نفكر كيف نوحد أنفسنا نحن أبناء الصف الواحد والاتجاه الواحد.
ذلك أن أسباب الاختلاف والفرقة ليست بالضرورة فكرية أو عقائدية، بل وفي كثير من الأحيان سلوكية ونفسية. بل لعل الأسباب النفسية والسلوكية هي الأهم بين أسباب التفرق والتشرذم.
كم من المصائب نزلت على أمتنا بسبب وجود أشخاص لم يهتموا ولا للحظة واحدة بمصالح الأمة، ودفعتهم الأنانيات وحب الظهور إلى تعريض الأمة إلى شتى أنواع المصائب والويلات، بل لعلنا في دراستنا لظواهر الفرقة لا نجد إلا الأنانيات وتقديم المصالح الشخصية والفئوية سبباً في العديد من هذه الظواهر، وحتى لو ادُّعِي وجود سبب فكري وراء الخلاف، فإن المدقق الفطن سيلاحظ أن الدوافع النفسانية هي التي وجهت الفكر نحو الاصطدام بالآخر بدل الاتجاه نحو الأرضية المشتركة. من هنا يجب أن نبحث عن كيفية ضمان استمرار الوحدة وتأصيلها. إذا سلمنا بوجود إطار فكري واضح للوحدة فإن علينا أيضاً أن نقر بأن كل جماعة سواءاً كانت من داخل الصف الواحد أو من الجماعات المختلفة المتواجدة في رقعة جغرافية واحدة لها مصالح لابد من مراعاتها لضمان استمرار هذه الوحدة.
إذا شعرت جماعة معينة أنه في إطار الوحدة ستفقد شخصيتها وإنها ستذوب وتتلاشى فإنها ستفضل الفرقة على هذه الوحدة التي يراد منها استئصال هذه الجماعة أو تلك، وتمكين مجموعة معينة وسيطرتها على سائر المجموعات.
لا بد إذن من ملاحظة الخصوصيات لكل جماعة ودراسة كيفية الحفاظ عليها ما أمكن.
الآن البعض وهو يبحث عن الوحدة وينشرها قد يتصور أن تشبثنا بإحياء بعض المناسبات الإسلامية هو من أسباب ودواعي الفرقة. مثل هذا الرأي غير صائب وغير موفق، فالجماعة حينما تدخل في إطار وحدوي مع الآخرين ليس مفروضاً عليها أن تترك قناعاتها وايدليوجيتها، وهذا لو كان مطلباً أو شرطاً للوحدة لأصبحت هذه الوحدة وبالاً، ذلك إن معنى هذه الوحدة هي التخلي عن العديد من القناعات الفكرية والعقائدية التي قد تشكل صلب التوجه لدى هذه الجماعة أو تلك.
نعم لا بد من تهذيب أساليبنا في الاحتفال بمناسباتنا والابتعاد عن كل مايثير الحساسية لدى الطرف الآخر من دون التنازل عن جانب العقيدة التي نراها صحيحة. في هذا الإطار أيضاً يجب مراجعة مفرداتنا اللغوية التي ألفناها وورثناها من أجيال سبقتنا، ذلك أن لكل زمان ما يناسبه، فلعل بعض المفردات اللغوية كانت مقبولة في فترة أصبحت تشكل حرجاً في هذه الفترة حيث الانفتاح وعصر المعلومات. بعض المفردات قد توحي للآخرين بوجود حالة عداء متأصلة له في الطرف المقابل وقد يقرؤها بصورة سلبية قد تسبب الكثير من السلبيات. إذن الحفاظ على مصالح كل فئة بالقدر المستطاع مطلب لا بد من الحفاظ عليه ومن هنا تأتي مسألة إيجاد آلية لحفظ هذه المطالب، آلية لصنع القرار، آلية عادلة تضمن إنصاف كل الأطراف بالقدر المعقول، حينما تتفق جماعة مكونة من جماعات مختلفة وذات آراء متباينة على آلية لصنع القرار وتلتزم بها وتسلم للنتائج الناجمة عن هذا الاختيار فإن مبدأ الوحدة قد بدأ يترسخ ويتأصل داخل الجماعة.
أنتم حين ترون جماعة قد استقر أمرها وتطور وضعها فإن عليكم النظر إلى كيفية إدارة الأمر بينها وكيفية صناعة القرار عندها. الجماعات المختلفة الفاعلة على الساحة من سنية وشيعية بحاجة للتوصل الى آلية لحفظ هويتها والدفاع عن برامجها بصورة منطقية وعليها التعامل مع المواضيع الحساسة بالطريقة التي لا توجد هوة بين سائر الاطراف والجماعات وعليها القبول بان الجلوس مع الآخر يعني وجود حالة استعداد لتليين الموقف هنا أو هناك مع عدم المساس بالاصول التي قد تلغي الهوية لهذا الطرف أو ذاك كما سبق وأسلفنا, إننا بحاجة إلى ممارسة هذا التوجه ومراجعة ومحاسبة أنفسنا باستمرار على أي إخفاق في هذا المجال لنصل إلى النتيجة التي نتوخاها والتي قد تشكل المنعطف الذي من خلاله يتم تأصيل المنهج الوحدوي في الأمة لما فيه خير وصلاح هذه الأمة .
في الختام لايفوتني أن أتوجه بالشكر الجزيل لسعادة الشيخ عيسى بن محمد الخليفة رئيس جمعية الاصلاح الاجتماعية على دعوته لي وللأخ الشيخ عيسى أحمد قاسم وعدد من الوجهاءمن الطائفتين الكريمتين ومثل هذه الفعاليات والدعوات التي عودنا عليها سعادة الشيخ عيسى تأتي كتجسيد للتوجه الوحدوي المحمود الذي يسود البلاد.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والحمد لله رب العالمين.