لقاء مجلة فدك مع سماحة السيد إبراهيم العلوي


فـي هذا العدد التقينا مع سماحة السيد إبراهيم العلوي ، وقد دار بين أسرة تحرير المجلة وسماحته الحوار التالي :

ســمـاحة الســـيــد إبـــراهـــيـــم العلـــوي حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
نشكر جهودكم وعملكم في سبيل خدمة الدين والمجتمع المسلم في بلدنا البحرين .

ونرغب في أن تشاركونا العمل في سبيل وعي أبناءنا من خلال القبول بإجراء هذا الحوار عبر مجلة فدك ، وتركنا لكم الخيار في رفض ما لا يناسب المقام ...

************************
فدك: إن الإنسان بحاجة إلى عملية التنمية والتوجيه والإعداد والإصلاح ، وذلك للوصول به إلى مرحلة النضج والكمال ؛ ومن هذا المنطلق سيكون لقاءنا مع سماحتكم حيث سيدور حوارنا عن التربية ...

سماحة السيد .. ما هو مفهوم التربية ؟

السيد: لعل من المفيد أن نستهل هذا الموضوع بتبيان المدلول اللغوي لمفهوم التربية. فالتربية في اللغة مأخوذة من ربى ولده، رباه أي أحسن القيام عليه حتى أدرك.

فالتربية بمدلولها اللغوي، تعني تعهد الطفل بالرعاية فيما يرتبط بالجوانب المادية والمعنوية حتى يشب ويكبر ويصل إلى الحد الممكن من الكمال الإنسان وكما فطره الله سبحانه وتعالى لا يميل بطبعه إلى الخير أو إلى الشر، لأنه قادر على فعل الخير كقدرته على فعل الشر ومن هنا نستطيع أن نقول أن العملية التربوية هي عملية توجيهية والمربي موجه فقد يوجه إلى الطفل إلى طريق الخير وقد يوجهه إلى طريق الشر و(كلّ مولود يولد على الفِطرة، إنّما أبواه يُمجّسانِهِ أو يُهوّدانِهِ أو يُنصّرانِهِ)

ومن معاني التربية في اللغة هو الاصلاح.

و من هنا نستطيع أن نقول مفهوم التربية عبارة عن: (عملية بناء وتوجيه الإنسان، والوصول به إلى الهدف المنشود من تلك العملية التربوية)

و هذا مفهوم عام ذلك لاختلاف الأنماط الثقافية والحضارية والتربوية لكل أمة من الأمم، فبعض الثقافات تركز على الجانب المادي والأنانية وبعضها يركز في العملية التربوية على الجانب الروحي.

أما مفهوم التربية الإسلامية فهو( إيصال الإنسان إلى مرتبة الكمال التي هيئ لها أو يمكن تعريفها بأنها تنمية فكر الفرد وصياغة سلوكه وعواطفه على أساس الإرادة الربانية)
 



فدك: ما هن المرتكزات الأساسية لمنهج التربية في الإسلام؟

التربية الإسلامية ترتكز على عدة مرتكزات نستوحيها من المنهج الإسلامي ونظرته للإنسان:

أولا:أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من سلالة من طين وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئا وجعل له السمع والإبصار والأفئدة.أي أن هذا المخلوق أعطي أدوات تحصيل المعارف هي الحواسّ والعقل،

ثانيا:أن الله تعالى جعل هذا المخلوق وأعطاه استعدادا لتلقي الخير والشر فالله جعل لهذا المخلوق فطرة نقية. قال تعالى: { ونفسٍ وما سَوّاها* فألهَمَهَا فجورَها وتَقْواها* قدْ أفلحَ مَنْ زكّاها* وقدْ خابَ مَنْ دَسّاها}.

وروي عن الإمام علي عليه السلام( وإنّما قلبُ الحَدَثِ كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته).

ثالثا: أن الله أعطى الإنسان الإرادة وحرية الاختيار، وعلى هذا الأساس يكون مسئولا عن اختياره وعن الطريق الذي يسلكه ويتحمل بالتالي النتائج التي أنتجها بملأ إرادته كما أن الله بمنه وكرمه أعطى هذا الإنسان فرصة التوقف واختيار الطريق السليم الذي هو طريق الشكر بعد أن كان سائرا في طريق الكفر والضلال والانسياق والتمادي في السقوط إلى الهاوية هاوية الفساد والانحطاط ,ونفس هذا الإنسان يستطيع أن يقف ويختار الاتجاه المعاكس أي طريق الكفر والانزلاق إلى الحضيض بعد أن كان من الشاكرين السائرين على هدى رب العالمين قال تعالى( وهديناهُ النّجدَينِ ) وقال جل جلاله { بَلِ الإنسان على نفسهِ بصيرةُ* وَلَوْ ألقى معاذيرَهُ }.(القيامة/14 ـ15) وفي الحديث الروي عن الإمام الصادق أن (لا جبر ولا تفويض ولكنْ أمرٌ بين أمرين..) وهنا اطرح مثالا للاختيار فالإنسان الجائع عندما يكون أمامه صنفان من الطعام نجد انه بكامل إرادته يختار الذي ترجح لديه أما هذا الصنف أو ذاك.

رابعا:أن الإنسان كائن مكلف فقد اختار الله سبحانه وتعالى هذا الإنسان ليكون خليفة له على وجه الأرض وقد جعل فيه ما يكون أهلا للخلافة وهو العقل الذي يستطيع به أن يعي ما يصل إليه من ربه من أوامر ونواه والضوابط التي جعلها الله جل وعلا لسعادة هذا الإنسان في الدنيا والآخرة.

خامسا:أن منهج التربية في الإسلام هو منهج الشريعة الإلهية ,منهج الخالق للمخلوق وليس منهج المخلوق فالله هو العالم بطبيعة هذا الإنسان وما يحتاجه وما يشبع الجانب المادي منه والروحي والعقلي ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )و(يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء....)

(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)

وأما منهج المخلوق في التربية فهو منهج قاصر لا يمكن أن يرقى بالإنسان إلى درجات الكمال فالذي يضع منهجا تربويا على أساس أن الإنسان بطن وفرج لا يمكن أن يرفع الإنسان عن درجة الحيوانية ولعل الآثار التي نشهدها نتيجة ذلك المنهج خير دليل على عدم صلاحية أي منهج تربوي غير المنهج الرباني فالمنهج الرباني يصنع إنسانا يفتخر بإنسانيته ويعتز بها و يرقى سلم الكمال الإنساني ومنهج المخلوق يتسافل بالفرد إلى درجة هي أحط من الحيوان (... إِنْ هُمْ إلاّ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ).

ومما تقدم نعلم أن أي منهج تربوي غير مستمد من المنهج الرباني لا يزيد العالم تعقيدا وفسادا وإفساد في الارض واكبر دليل ما نشاهده اليوم من مآسي ومفاسد تحل بالإنسانية كلها نتيجة التربية الغير إلهيه واللا إنسانية لبوش وشارون وأمثالهما من الطواغيت والمستكبرين وأعداء الإنسانية.
 



فدك: ما هي أهداف التربية في الإسلام؟

السيد : أن أهم غاية لوجود الإنسان هي عبادة الله تعالى قال تعالى(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

إذن الهدف الأول للتربية في الإسلام هو تحقيق العبودية لله وحده في حياة الإنسان والعبادة في نظر الإسلام الهدف الأساس فهي منهج حياة وتشتمل العبادة على ما يقوم به العبد من أقوال وأحاسيس أو أي مظهر من مظاهر سلوكه وتعني المشاركة والتفاعل الإنساني على أساس ما أمر به الله سبحانه وتعالى أو ما نهى عنه فالعبودية لله ضبط للسلوك الإنساني ولو تحققت العبودية في الواقع بهذا المعنى لكان سلوك الإنسان مع نفسه وأسرته ومع مجتمعه وعالمه سلوكا أخلاقيا نبيلا خاليا من التعصب والحقد والكره والبغض ولكان في الوقت نفسه سلوكا ملتزما بالحق منصفا للآخرين دون تفريط أو إفراط.


فدك: إلى أي مدى اهتم الإسلام بالتربية؟

السيد: في الواقع لا يوجد نظام على وجه الأرض اهتم بتربية الإنسان حتى قبل ولادته كالشريعة الإسلامية ويمكننا أن نكتشف مدى هذا الاهتمام من خلال ما يلي:

1- وجهت الشريعة الإسلامية أتباعها من الرجال إلى ضرورة اختيار الأم القادرة على تربية الأبناء وهي المرآة صاحبة الدين فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه

قال(( تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك))

وفي رواية أخرى يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وآله بعض الآثار التي تترتب على نوعية الاختيار للزوجة والتي هي في الغالب مشرع أم حيث يقول(من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرا ومن تزوجها لحسبها لم يزده إلا دناءة ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه)

ولهذا يصف لنا رسول الله صلى الله عليه وآله بعضا من صفات الزوجة الصالحة فيما روي عنه (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرا له من زوجة صالحة أن أمرها إطاعته وان نظر إليها سرته وان اقسم عليها أبرته وان غاب عنها حفظته في نفسها وماله)

وإذا كان الرجل مطالبا باختيار المراة المؤمنة كذلك المرة في نظر الإسلام مطالبة باختيار الرجل على أساس إيمانه وصلاحه (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ألا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

ومما لاشك فيه أن الزوج الصالح والزوجة الصالحة يوفران الجو المناسب لتربية سليمة صالحة فالطفل الذي يعيش تحت والدين صالحين يتغذى على الصلاح والإيمان طيلة بقائه معهما وهذا لا ريب يؤثر على حياته المستقبلية.

ومن الأمور التي أرشدت إليها الشريعة الإسلامية اختيار الرجل للمراة الخالية من الأمراض وكذلك بالنسبة للمراة في اختيارها كما ارشد إلى الاختيار من غير القرابة .

وهناك الكثير من الإرشادات التربوية التي مدى اهتمام الشريعة الإسلامية بالتربية لا مجال إلى التوسع فيها كأعمال ليلة الزفاف وأهمية اللقمة الحلال التي ستتكون منها النطفة فإن لأكل الحلال أثراً كبيراً، وواضحاً على صلاح الأولاد، و لأكل الحرام أثرا كبير على فسادهم، وسوء أخلاقهم، وهذا أمر محسوس مشاهد . وكما اهتم الإسلام بتربية الأبناء قبل الولادة اهتم بها بعد الولادة حيث نجد أن الإسلام يطلب منا أن نحسن تسمية أبنائنا وبناتنا وان هذا حق من حقوقهم لما للأسماء الحسنة الجميلة من اثر ايجابي على نفسية الإنسان كم أكد على أهمية الرضاعة وإنها حق للمولود على الوالد .

تربية الإنسان وتعليمه، عملية أساسية اضطلعت بها الأسرة أولاً، وتولت مهمة القيام عليها منذ نعومة أظفار هذا الكائن الحي، ثم توالت على ممارستها مؤسسات مختلفة لهذه الغاية.
 



فدك: ما هو الإعداد السوي لتربية الطفل وتنشئته ليكون مسلما واعيا؟

السيد: من الواجب علينا أن نعمل على إعداد أولادنا: (بنين وبنات) إعداداً مدروسا متكاملاً يهدف إلى صياغة شخصية الأبناء والبنات صياغة إيمانية تحمل من الوعي الإيماني ما يؤهلها لكي تكون شخصيته متميزة كذلك. حتى تكون عضوا فاعلاً في المجتمع الذي تعيش فيه وتنتمي إليه بكل ما تحمل كلمة الانتماء من معنى ، وممثلاً متميزاً للأمة التي تنتمي إليها..وهذا يتطلب منا تنشئة ورعاية كل الجوانب حيث أن الكائن الإنساني وحدة مترابطة ممتزجة لا ينفصل منه جسم عن روح عن العقل لكي يكون الإعداد متوازنا سويا وهذا يتطلب منا تربية الطفل :

أولا: تربية دينية وقرآنية بمعنى أن نربي الطفل على الارتباط بالله سبحانه وتعالى وإن الله تبارك وتعالى خلقه وأعطاه السمع والبصر وجميع الجوارح وأعطاه مواهب وقدرات، وخلق السماء والأرض والبحار، وسخّر ما فيها جميعا للإنسان، وأغدق على الإنسان نعمه المستفيضة؛ ممّا يوجب طاعته والشكر له وعبادته،ومن هنا نبدأ معه ونحثه على أداء الصلاة وبقية العبادات كنوع من الطاعة والشكر لله وقد روي عن الإمام السجاد عليه السلام انه قال<< هو أخفّ عليهم، وأجدر أن يسارعوا إليها ولا يضيّعوها، ولا يناموا عنها، ولا يشتغلوا >>. ونرشده إلى أن الله سبحانه وتعالى أنّه إنما أنزل الأديان السماوية المقدّسة، وأرسل الأنبياء والرسل عليهم السلام؛ ليهدوا الناس إلى طريق الحقّ والخير، وينجوهم من الباطل والشرّ، وذلك لأنّه جلّ وعلا عطوف على خلقه رءوف بعباده وإنّ من شدّة حبّ الله تبارك وتعالى لخلقه وعباده أنّه سخّر الملائكة ليسبّحوه، ثمّ ليستغفروا لعباده. (( … والملائكة يسبحّون بحمد ربّهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم )) . (( هو الذي ينزّل على عبده آيات بيّنات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإنّ الله بكم لرءوف رحيم )) ويجب أن نعلم بأن الوالدين لو ربّيا ولدهما على التوجّه إلى الله عز ّوجلّ، وأداء الصلاة في أوقاتها، والمواظبة على تلاوة القرآن الكريم؛ فإنّ لهما عند الله جلّ وعلا لأجراً عظيماً وثواباً كريماً كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (… ومن علّمه القرآن دعي بالأبوين فيُكسيان حلّتين، يضيء من نورها وجوه أهل الجنّة )

ثانيا:ـ التربية النفسيّة والسلوكيّة: فعلى الوالدين والأسرة والمعلّم والمجتمع والدولة والمتصدّين لعمليّة التربية المقدّسة، أن يسعى كلّ منهم لزرع الهدوء والأمن والاستقرار والثقة والطمأنينة في نفوس الأولاد، لتخليصهم من تأثيرات الخوف والاضطراب والتردّد و والفرض والإجبار والتسلّط، التي تؤدّي إلى سحق شخصيّاتهم، وإلى الانهيار النفسيّ، ليخرجوا إلى المجتمع الإسلاميّ صحيحين سالمين سليمين، تزرع الثقة في نفس كلّ منهم فيكون شخصاً له شخصيّته الجيّدة، ودوره المسئول النافع في عمليّة بناء وطنه وتطوّره وعزته وكرامته ومن الجدير بالذكر أن تربية الإنسان المتوازنة نفسيّاً وأخلاقيّاً وسلوكيّاً لها أثرها الكبير على استقرار شخصيّته، وسلامتها من الأمراض النفسيّة، والعقد الاجتماعيّة والحالات العصبيّة الخطيرة وحالات القلق والخوف التي كثيراً ما تولّد لديه السلوك العدوانيّ فينشأ فرداً مجرماً خبيثاً مضرّاً فاسداً في المجتمع.

ثالثا:التربية العقليّة والعلميّة:

ونستطيع أن نربي في الطفل هذا الجانب من خلال عدم إهمال الأسئلة التي يطرها فهي كثيرة جداً، وبعضها مهم، وبعضها تافه فمن الخطأ إشعار الطفل بان أسئلته تافه لا تستحق الإجابة عليها فان هذا الأسلوب يقتل عنده حب المعرفة ويرسخ في نفسه انه متخلف مما يؤدي إلى وجود عقدة نفسية لديه من طرح أي سؤال ومن الخطأ إهمال الأسئلة الصعبة والتهرب من الإجابة عليها ظناً بأنه صغير لا يستطيع أن يفهم أو يدرك ، أو أن الأم أو الأب مشغولان عنه بل يجب علينا إذا أردنا أن نربي فيهم الجانب العقلي أن نبذل ما نستطيع للإجابة على أسئلتهم وإذا كنا لا نعرف الإجابة الصحيحة فلا نتردد في إخبارهم بأننا سوف نبحث لهم عن الإجابة وأتصور أن هذا الأمر مهم جدا يجعل الطفل لا يتردد في طرح أسئلته وانه إذا طرح أي سؤال سوف يحصل على إجابة كما انه سوف يتعلم بان أسئلته ليس من الضروري أن يحصل على أجوبتها من والديه وان مصادر أخرى يستطيع من خلالها أن يشبع جانب المعرفة عنده مع إيضاح مكانة العقل والعلم والمعرفة في الإسلام بذكر بعض الآيات القرآنية والأحاديث المروية عن النبي والأئمة المعصومين عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم كقوله تعالى (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب )) ((الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب )) .

ومن الأحاديث المروية: (أطلبوا العلم ولو في الصين .. فإنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم) (من سلك سبيلاً يطلب به علماً، سلك الله به سبيلاً إلى الجنّة ) (تعلّموا العلم، فإنّ تعلّمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة … وهو أنيس في الوحشة، وصاحب في الوحدة، وسلاح على الأعداء، وزين الأخلاّء، يرفع الله به أقواماً يجعلهم في الخير أئمة يُقتدى بهم، تُرمق أعمالهم، وتقتبس آثارهم) و تعريف الأولاد بحياة العلماء وأصحاب المعرفة السابقين، الذين أرسوا قواعد العلم والمعرفة والفضيلة ووسائل الحضارة البشريّة، ونشروا العلم بمختلف صنوفه أينما حلّوا في هذه الدنيا، وأن يتحدّثوا لهم عن تجاربهم وعلومهم وفضائلهم، بأسلوب قصصيّ شيّّق جميل يستميل هوى الأولاد ويثير فيهم حب الإطلاع على المجهول، ويرسّخ في أذهانهم ونفوسهم حبّ العلم والمعرفة والاستطلاع والاستكشاف.

وأحب أن أشير إلى أن العصر الذي نعيش فيه وما وصل إليه من تقدم هائل وسريع في مجال تقنية المعلومات يفرض تعليم الأبناء كيفية استعمال أجهزة التعلم واكتساب المعرفة من كمبيوتر وشبكات الانترنت مع ملاحظة أن لابد أن يكون الاستخدام في الجانب الايجابي الذي ينمي المعرفة.

رابعا:التربية الاجتماعية والخلقية:

أنّ الإنسان هو موجود اجتماعيّ مجبول على الحياة الاجتماعيّة؛ لذا نجده يميل إلى الاجتماع بالآخرين، ويحبّ أن يعيش ضمن الجماعة ولهذا من الجميل جدا أن يتربى الطفل على كيف يتحرك ؟ ، وماذا يقول ؟ ، كيف يشرب كيف يأكل ؟كيف ينام و كيف يستيقظ؟

كذلك من الإعداد السوي والمتوازن الاهتمام بجملة من الآداب والسلوكيات التي تحدد كيفية التعامل بين الفرد ومن يحيط من أفراد في المجتمع فإسلامنا الحنيف يسعى لتحقيق الموازنة بين حقوق الفرد والمجتمع، وتحديد واجبات كل منهما تجاه الآخر والإسلام يحثّ المسلمين ويشجّعهم على تكوين الروابط الاجتماعيّة البنّاءة، وجعل لها أساليب وممارسات لطيفة تؤدّي إلى الألفة والمحبّة بين أبناء المجتمع الإسلامي، كآداب التحيّة والسلام والمصافحة بين المؤمنين، وتبادل الزيارات، وعيادة المرضى، والمشاركة في تبادل التهاني في الأعياد والمناسبات الدينيّة والاجتماعيّة، والاهتمام بالجار، وتسلية أهل المصائب والشدائد ومشاركتهم في مصائبهم فعلى الوالدين والمربّي والمعلّم تشجيع الأولاد على ممارسة الأفعال والنشاطات التي توطّد العلاقة وتطيّبها بين هؤلاء الأولاد وسائر أبناء مجتمعهم، والعمل على مراقبتهم وتهذيب طريقة وأسلوب كلّ ممارسة منها، ومع من يلتقون ويلعبون ويتجوّلون ويدرسون؛ كي لا يحتكّوا بأفراد منحرفين فيكتسبون منهم ويتعلّمون ما هو مضر وفاسد وقبيح لذا يتوّجب على الآباء والمربّين توعية النشئ وتثقيفهم تربويّاً وأخلاقيّاً وعاطفيّاً، ليجنّبوهم الانزلاقات إلى هاوية الانحراف ولكي نحصّن هذا النشئ بدرع واق من مساوئ الممارسات ومفاسد الأخلاق والأفكار المنحرفة عن الصراط السوي؛ ليكون شريحة طيبّة مثمرة نافعة، تستفيد من الإمكانيات المتاحة لديها، وتعيش بعزّ وكرامة وسعادة، وتجلب الخير والسعادة والفرح والسرور والبهجة على أهلهم وذويهم ومجتمعهم، وبذلك يكسبون رضاء الله عزّ وجلّ ورضاء رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم ويكسبون خير الدنيا وسعادة الآخرة , ومن الأمور التي يجب علينا عدم إغفالها هي زرع الرقابة النفسية الداخلية (الضمير) لدى الطفل منذ نعومة أظفارة هذه الرقابة التي قد تكون نتيجة التربية الحسنة وقد تكون نتيجة وثمرة للخشية من الله وطبيعي إنها إذا كانت نتيجة للخشية من الله فإنها تكون أكثر اثر في النفس لان صاحب التربية السليمة قد تتغلب علي ما تربى عليه من عادات حسنة المصلحة الشخصية أما ذلك الذي يراقب الله جل وعلا ويخشاه في السر والعلن فمن العسير أن يخالف فيما تربى عليه فيما يرتبط بنفسه وبغيره وذلك لان عظمة الله وخشيته قد استقرت في نفسه ولا شك أن الإيمان بالله واليوم الآخر عاملان أساسيان في إيقاظ الضمير والخشية من الله.

خامسا:التربية البدنيّة والجسمانيّة:

الإسلام دين الجهاد والبطولة والتضحية والفداء فلذلك نجد أن المنهج التربوي الإسلامي يحث أتباعه على العناية بأجسادهم وتربية أبدانهم وإعدادها إعدادا قويا سليما فسلامة الجسم له اثر كبير على سلامة النفس وقد حثّ الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم على التربية الرياضيّة والبدنيّة، حيث قال: … (علّموا أولادكم السباحة والرماية)

وقد أمرنا الله جلّ وعلا أن نهتمّ بوسائل القوّة والإعداد الجسديّ؛ لمواجهة الأعداء، بقوله: (( وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوّف إليكم وأنتم لا تظلمون )) .ولا ريب أن تربية الأبدان يعد مظهرا من مظاهر القوة التي ترهب الأعداء وأحب أن أشير إلى نقطة مهمة جدا ترتبط بالعملية التربوية للنشئ في هذا المجال وهي عدم الغفلة عن الأبناء وهم يمارسون الرياضة وعد إطلاق العنان لهم للتحول الرياضة إلى طريق للانحراف بدلا من أن تؤدي وتحقق الهدف منها وعلى الآباء أن يبينوا لأبنائهم أن الرياضة ليست هدفا للإنسان المؤمن الملتزم وإنما هي وسيلة من وسائل تحصيل القوة كما انه لابد من الانتباه إلى أن الرياضة قد تكون طريقا سهلا للانحراف بسبب إعطائها كل الاهتمام وبالتالي تكون هي المسيطرة على الإنسان ومن جانب آخر ونتيجة لعدم الخبرة في اختيار الصديق قد توقع الأبناء في علاقات غير سليمة تؤدي إلى الانحراف والضياع وبالتالي بدلا من أن تحقق الرياضة هدفها المنشود تنتج عنصرا ضارا بالأهل والمجتمع.

سادسا: التربية الذوقية والجمالية:

الشريعة الإسلاميّة الغرّاء وكما اعتنت بالجوانب السابقة فقد اعتنت كذلك بمسألة الجمال والتجمّل والذوق الجميل والحسّ الجميل عناية فائقة، ولقد تحدّث القرآن الكريم عن الجمال والزينة والطيب، وبيّن للإنسان ما في عالم الموجودات من جمال وزينة ولطافة وبداعة، وأنّ له الحقّ في التجمّل والتطيّب والتزيّن والاستمتاع ((( إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيّهم أحسن عملاً )) .

(( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين * قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقوم يعلمون )) .

وقال رسوله الكريم الأمين صلّى الله عليه وآله وسلّم:

(إنّ الله جميل يحبّ الجمال، ويحبّ أن يرى اثر نعمته على عبده، ويبغض البؤس والتباؤس ) وقال أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه:

(التجمّل مروءة ظاهرة )، (التجمّل من أخلاق المؤمنين )،( إذا قل أهل الفضل هلك أهل التجمل )

وورد عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق صلوات الله وسلامه عليهما، أنه قال: إنّ الله يحبّ الجمال والتجمّل، ويكره البؤس والتباؤس، فإنّ الله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبد نعمة، أحب أن يرى عليه أثرها. قيل: كيف؟ قال ينظّف ثوبه، ويطيّب ريحه، ويجصص داره، ويكنس أفنيته؛ حتى أن السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق )

ومن نظرة الإسلام العظيم إلى الحسن والجمال يتعيّن على الآباء والمعلّمين والمربّين تأصيل وتعميق هذا الشعور الإنسانيّ اللطيف في نفس الأولاد منذ طفولتهم، وتحبيب الجمال والتجمل إليهم؛ فإنّ تربيتهم على هذه القيم تعني تنمية الذوق اللطيف والحسّ الجمالي لديهم، وتعمل على تهذيب سلوكهم وأخلاقهم، وإرهاف حسّهم الذوقي، وتجذير قدرتهم على التمييز بين الشيء الحسن والآخر القبيح، والتفاعل مع الجمال المادي والمعنوي كما انه من المهم مدح وإطراء الجمال و نقد وتقبيح مظاهر القبح، وإشعاره بالنفور والتقزز من المظاهر والمناظر القبيحة والفاقدة للجمال؛لينكون لديه حساً نقديا ، ، ويركز في نفسه الإقبال على الحسن والجمال من الفعل والقول والسلوك والنفور من أشكال و مظاهر القبح والفساد ومعانيهما. وأتصور انه وأعددنا الطفل الإعداد الفني والذوقي والجمالي الحسن فإننا في الحقيقة نكون قد أعددنا مجتمعاً إسلامياً سامياً عميق الوعي والإيمان مرتبا منظما قويا وذلك من مظاهر القدرة والمنعة ومن عناصر الحضارة .

والخلاصة أن التربية السليمة الملتزمة بقواعد التشريع والقيم الإسلامية في كل هذه المجالات وغبرها التي لم نذكرها من أقوى الوسائل لتربية الطفل وتنشئنه ليكون مسلما واعيا منذ بداية عمره حتى نهايته، فالتربية تُصنَّف على أنها تأتي في طليعة المقومات الإنسانية في الحياة العامة، وبالذات في ميدان الناشئة ومسيرة الأجيال وما يتبع ذلك من صنع الأفكار وتشكيل النوازع الوجدانية، وما يتلقاه الطفل في صغره يؤثر في وجدانه بشكل مباشر أو غير مباشر بحيث يستخفي برهة من الزمن في ذاكرته، وعندما تستدعيه الأحداث أو تداعيات المناسبات يبرز في الظاهر متسللاً من زوايا الذاكرة، فالطفل يستجيب لما يُملى عليه ويرشد إليه، فعقله خامة قابلة للتكييف يتشكل على الصورة التي يريدها المربي .
 



فدك: من المعروف أن التربية تمر بعدة مراحل حيث تبدأ من الأسرة وتمر بالمدرسة إلى المجتمع إلى أن تصل إلى الحكومة.....فما هو دور كل من هذه المؤسسات التربوية؟

السيد: في البداية أحب أن أوضح نقطة وهي أن دور كل هذه المؤسسات التربوية لا يمكن فصله بمعنى انه بعد انتهاء دور الأسرة يأتي دور المدرسة ثم يأتي دور المؤسسات الأخرى بل أن جميع هذه المؤسسات لا بد أن يكون دورها مجتمعا لا يمكن الفصل بين أدوارهم فكل مؤسسة يجب عليها أن تقوم بمسؤوليتها التربوية

دور الأسرة: تعتبر الأسرة هي عبارة عن الزوج والزوجة والأولاد ذكورا وإناثا ولا تتكون الأسرة إلا عن طريق الزواج المشروع والأسرة هي الدرع الحصينة كما هو معناها اللغوي فالأسرة تعتبر الحاضن الأول للأولاد وهي العش الذي يترعرع فيه المولود ويكبر ومنها يكتسب العادات والتقليد والأخلاق والسلوك والقيم الأسرة هي الخلية الأولى والأهم في البناء الاجتماعي، والأساس الذي يصلح بصلاحه المجتمع ويفسد بفساده وإذا أخذنا في الاعتبار أن الطفل يحتذي خطى الوالدين في كل صغيرة وكبيرة فإننا نعرف مدى دور الأسرة في صياغة شخصية الطفل فلذلك ينبغي على الوالدين أن يراعيا الواجب الملقى على عاتقهما تجاه فلذات أكبادهما فيما يرتبط ببذر البذور الصالحة ورعايتها وتمهيد الأرضية المناسبة لصياغة شخصياتهم صيغة إيمانية صالحة إننا نعلم انه لا تستطيع أي أسرة أن تؤدي دورها التربوي الصحيح إلا إذا كانت أجواء الأسرة صحيحة ونقية بل يشترط أن يكون الوالدان بعيدان عن الفساد والإجرام فالوالدان الغير ملتزمين واللذان لا يقدران أهمية دورهما التربوي و اللذان يعيشان حالة التنافر والنزاع بحيث تكون حياتهما مملوءة بالمشاكل والخلافات، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك سلباً بشكل كبير جداً على الأولاد و غالبا ما يقود سلوكهما إلى نتائج سلبية على مستقبل أبنائهم حيث لا يستطيعان أن يربيا في أحضانهما أطفالا صالحين ففاقد الشيء لا يعطيه أما إذا كانت الأسرة صالحة وسليمة تسود في أجوائها المودة والرحمة اللتين يعيشهما الأبوان تؤمن مناخاً صحياً بين الزوجين، وتنتقل منهما تلقائياً إلى الأولاد، وتخلق لديهم إحساساً بالأمان، وميلاً إلى التعاون و عكست بالتالي صلاحها وسلامتها على أفرادها، ووفرت لهم المحيط المناسب لترعرع السجايا الخلقية الفاضلة والخصال الحميدة، وخلقت منهم رجالاً للغد، قادرين على العطاء وأداء الدور الإنساني على أحسن وجه.

دور المدرسة:

أن دور الأسرة هو الأساس في التربية ودور المدرسة عامل مساعد لدور الأسرة و مكمل له هذا إذا أخذت المدرسة دور المربي ولكن وكما نلاحظ أن دور المدرسة يقتصر في الغالب على التعليم مع إغفال الجانب التربوي الذي ينبغي يأخذ مجالا أوسع من التعليم لان التربية هي في الواقع أساس التعليم ذلك أن التربية تهدف إلى تربية الإنسان من جميع جوانبه إننا نأمل من المدرسة أن تأخذ دورها في مجال التربية بصورة جدية لتكون عاملا مساعدا لتحقيق أهداف التربية الإسلامية وتعويض من يكن له نصيب من التربية الأسرية ولا أريد أن أبخس المخلصين المدرسين حقهم مختلف فهم موجودون، ويعملون على النهوض بهذا النشء الذي تأثر بعوامل كثيرة منها وسائل الإعلام المختلفة، والتربية الخاطئة، وغفلة الوالدين وأسباب أخرى.

دور المجتمع: لا يقل دور المجتمع عن دور الأسرة بل قد يكون في بعض الأحيان له تأثير أعظم سيما مع ضعف دور الأسرة والمدرسة وبقية المؤسسات التربوية فالمجتمع هو الذي يتلّقى الطفل ويحتضنه بعد أبويه وأسرته، ، وينقل إليه عاداته ومفاهيمه وسلوكه. وفي المجتمع يجتمع كل ما يحمله وينتجه الأفراد المعاصرون من أفكار وعادات وتقاليد وأخلاق وسلوكيّات وتصرّفات ؛ لذا فإن للبيئة الاجتماعيّة دوراً كبيراً في قولبة شخصيّة الطفل وسلوكه.

والفرد المسلم في المجتمع الإسلاميّ يجد البيئة الصالحة المناسبة لنموّه ونشأته واستقامة شخصيّته، لتوفّر الأجواء والظروف النقية و اللازمة لنموّ الشخصيّة الإسلاميّة اجتماعيّاً نموّاً صالحاً سليماً لذلك فالتربية الإسلاميّة تعتمد على المحيط الاجتماعي في التوجيه والإعداد والمجتمع الإسلاميّ الذي يؤمن بالإسلام فكراً وعملاُ وسلوكاً، ينسجم تماماً مع الأسرة والمدرسة، ويلقى الطفل فيه الحياة المتّزنة المستقرّة المنسجمة الهادئة المريحة، كما أنّ الطفل أينما يولّي وجهه في البيت أو المدرسة أو المجتمع، فإنّه يجد الأمان حيث الأصدقاء والمؤسّسة والمظهر الاجتماعيّ العامّ، ووسيلة الإعلام وحياة الناس العامّة وسياسة الدولة، كلّها تسير على قاعدة فكريّة وسلوكيّة واحدة، ساعية إلى الخير والإصلاح والعزة والكرامة، وتعمل بانسجام تامّ، وتتعاون من أجل بناء الفرد الصالح النافع، والمجتمع الصالح القويم.

ولعل أخطر دور للمجتمع في تربية الطفل يتمثل في رفاق السوء . وسبب ذلك أن للرفاق على الإنسان تأثيراً كبيراً ، الأمر الذي يضع الطفل أثناء مصاحبة هؤلاء الرفاق في خطر الانحراف ، باعتبار أن حجم التأثير السلبي لأي سلوك أو فكرة يتخذها الرفاق قد يأخذ حجماً كبيراً تصعب مقاومته من قبل الطفل ومن قبل الأسرة فالصديق الذي يرافقه الطفل ويلعب معه يؤثّر فيه، وينقل إليه الكثير من السلوكيات الهدامة أن اختيار الصديق المناسب هو مفترق صعب يقود نحو السعادة أو الشقاء فالصديق السيئ المنحرف يجر صديقه نحو الضلال والفساد وفي المقابل فان الصديق المتدين ومن عائلة أصيلة بقيمها ودينها ينتهي إلى السعادة والفلاح ف(لا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره) كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام وكما روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم(المرء على دين خليله) والنتيجة في الآخرة كما قال تعالى في كتابه الكريم(.....ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر......)

كما أن للمؤسّسات العامة كالملاعب والنوادي والجمعيّات والمسارح ودور السينما والحدائق والمتنزّهات وسائر الأماكن العامّة التي يرتادها الأطفال تترك آثارها على شخصّية الطفل وسلوكه وأخلاقه وذلك حسب أهداف هذه المؤسسات الحقيقية ونوعية ومدى صلاح القائمين عليها.

دور الحكومة: لكل حكومة من الحكومات والأنظمة الحاكمة في العالم أهدافها التربوية وذلك حسب ما تؤمن به أيديولوجية فالدولة أي دولة تسعى لصياغة وتربية الأجيال حسب خطها الفكري فالدول في عالم اليوم تضع خطط ودراسات إستراتيجية من اجل تحقيق ذلك الهدف وتوظف كل إمكانياتها من رياض أطفال ومدارس وجامعات وكل وسائل الأعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة في هذا الاتجاه وبتلك الوسائل والإمكانيات تستطيع الدولة التأثير على هوّية الإنسان التربويّة، وتحديد معالم شخصيّته ومن هنا نعرف اثر ودور الدولة في مجال التربية ومما يؤسف له حقيقة أن أكثر الدول التي تنتمي إلى الإسلام إنما تنتمي إليه اسما لا منهجا يقوم على الأسس والمبادىء والقيم الإسلامية فهي لا تسير في الخطّ الإسلاميّ الملتزم، فتمهّد الطريق للطفل في أن يشقّ طريقه إلى الحياة المستقبليّة الكريمة، وتساعد الشباب على تحمّل مسؤوليّاتهم المقدّسة، ليكون لهم الدور الفعّال في ترسيخ أسس الدولة الإسلاميّة واستمرارها وبقائها، والمشاركة في أخذ يدها نحو الخير والصلاح والعزّة والكرامة، وليأخذ كل فرد في المجتمع الإسلاميّ دوره البنّاء المعدّ له والمؤهّل هو له، فيكون عضواً نافعاً وفرداً صالحاً في هذا المجتمع فالواقع التربوي يسير في الاتجاه المعاكس لأغراض التربية الإسلامية ولهذا لا بد من التركيز على دور الأسرة والمؤسسات التي تحمل هم تربية النشء وحماية الأجيال من السقوط في أحضان التربية المستمدة من الفكر والمنهج الغربي الذي لا يصنع إنسانا .
 



فدك: كيف يكون الإنسان مسئولا عن تربية نفسه؟

السيد: إن تربية الإنسان لنفسه تعتمد على مبدأ المسئولية الفردية: إن المسلم بل كل إنسان في هذه الحياة مسئول مسئولية فردية, يقول- جل وعلا- : (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَل ْمِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَان َذَا قُرْبَى ) ، ويقول سبحانه ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ). و في نصوص القرآن الكريم, ونصوص الروايات المروية عن المعصومين عليهم السلام تجد التأكيد الواضح على أن كل فرد مسئول مسئولية خاصة عن نفسه، حتى ذاك الفرد الذي يتعرض إلى الإضلال من خلال الضغط الذي يمارسه عليه غيره، سواء أكان ضغطاً نفسياً أم ضغطاً اجتماعيّاً -أيّاً كان مصدر هذا الضغط- لا يعفيه ذلك من المسئولية ثانياً: الحساب الفردي يوم القيامة أن كل إنسان سوف يحاسب يوم القيامة حساباً فرديّاً، قال عز وجل:) وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (وفي آية أخرى يقول عز وجل( كلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) فكل إنسان سيقدم على الله فرداً وحيداً، وسيحاسب محاسبة فردية؛ فلابد أن يتحمل المسئولية في تربية نفسه وتزكيتها, وقيادتها إلى طريق الخير, والاستقامة. ثالثاً: الإنسان أعلم بنفسه: إن الإنسان أعلم بمداخل النفس، وأعلم بجوانب الضعف والقصور فها، ومن هاهنا : فهو الأقدر على التعامل مع نفسه, فهو أعلم بها من سائر البشر، وحينئذ فهو أقدر من غيره على علاج جوانب القصور في نفسه وعلى أساس هذه المباديء نجد أن تربية الإنسان نفسه تحتل المقام الأهم ولهذا فعلى الإنسان أن يربي نفسه التربية التي أرادها الله سبحنه وتعالى وينقذها من الهاوية ( يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وهليكم نارا وقودها الناس والحجارة....)

 



فدك: ما هو اثر وسائل الإعلام والاتصال بما فيها الانترنت في تربية النشئ وهل لها آثار سلبية؟

السيد: تعد وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية مصدر رئيسي لاكتساب الثقافة والمعلومات لمختلف شرائح المجتمع وبالتالي فهي تؤثر بصورة وأخرى على تشكيل وصياغة شخصية الإنسان فالكم الهائل من المعلومات الذي يتلقاه الأطفال والكبار عبر القنوات الفضائية التي لا تعد ولا تحصى وعبر مواقع الانترنت فضلا عن المطبوعات بشتى أشكالها هذا الكم الهائل من المعلومات يتضمن نسبة كبيرة تتعارض بدرجة وأخرى مع العقيدة الإسلامية ومع المباديء والقيم الأخلاقية وهذا يعني في الحقيقة إمكانية حصول مسخ وتدمير للقيم سيما مع عدم وجود الأرضية الإيماني الأصيلة والوعي الكافي للتمييز بين ما هو بناء وما هو هدام وعدم تقدير النتائج الخطيرة نتيجة الاستسلام الكلي لهذه الوسائل وخصوصا هذه الشاشة الساحرة التي ألفناها حتى أصبحت وكأنها فرد من أفراد الأسرة لا يتهم في شيء بل أن كل ما يقوله صحيح ونافع فلا نلتفت إلى انه قد يخدع ويضلل ويزيف بل قد يغرر بنا لقد أثبتت الدراسات أن لوسائل الإعلام وخصوصا التلفاز والانترنت اثر سلبي على الأبناء أطفالا وشبابا وشابات ولو أخذنا أفلام الكرتون مثالا وتسائلنا ماذا تقدم لأطفالنا لوجدنا أن :

أكثر أفلام الكرتون: خيالية تحمل عقائد وثنية، وهذا النوع من الخرافة يفسد عقلية الطفل وتفكيره، ويطبعه بطابع خيالي بعيد عن الواقع. وبعض أفلام الكرتون: تدور قصصها حول الحب والغرام كما هو الحال بالنسبة لمسلسلات الكبار، تعريض بالفاحشة، وتحريض على تكوين علاقات الحب والغرام وان تكوين مثل هذه العلاقات أمر عادي لا مانع منه وكل مسلم يعرف أن هذه الأمور بعيدة كل البعد عن مباديء وقيم وتطلعات المنهج الإسلامي في التربية

والأمر الأكثر خطورة في التعامل مع هذه الوسائل هو انعدام الرقابة والمتابعة وحينما يكون لبعض الأبناء أجهزة تلفزيون أو أجهزة الكمبيوتر وخط الانترنت في غرف نومهم فهنا تصبح المشكلة اعقد وأكثر خطورة لا فيما يجده الابن أو البنت من حرية المشاهدة فحسب، بل بما قد يشاهده من أفلام الفيديو والسي دي التي ستكون بعيدة عن رقابة الوالدين وهذه الوضعية من التعامل مع هذه الوسائل مما لاشك فيه أنها تؤدي إلى الانحراف والسقوط في الرذيلة ولا تعرف الأسرة مدى تقصيرها إلا بعد فوات الأوان وعنها تعض أصابع الندم ولاة حين مندم.

وهذا لا يعني أن كل ما في هذه الوسائل هو ضار ولا نفع فيه بل من الممكن أن تكون وسائل تربية صالحة إذا أحسن استخدامها بصورة واعية ضمن برنامج هادف يحقق النتائج الطيبة وفي اتجاه بناء شخصية الأبناء بناءا إسلاميا وأحب أن أشير إلى بعض النقاط التي ترتبط بمشاهدة التلفاز واستخدام الانترنت:

1ـ تحديد أوقات المشاهدة وعدم إطلاق العنان للأبناء في مدة المشاهدة وان يكون استخدام النت خاضعا للتوجيه والمتابعة مع وضع الجهاز في مكان يرده جميع أفراد الأسرة .

2ـ برمجة المشاهدة (اختيار القنوات والمواد).

3ـ نقد ما يعرض من مواد ومناقشة ذلك مع الأبناء حتى يشعروا بثقتنا فيهم ويقتنعوا بان ذلك مفيد ام لا .

4- ـمتابعة مدى تأثير البرامج على سلوك الأبناء حتى يمكن أن يتدارك الأمر قبل فوات الأوان .


س : سماحة السيد .. أما الآن فالمجال مفتوح لحضرتكم لكلمة أخيرة نختم بها هذا اللقاء ؟


اسأل الله أن يوفقنا ويعيننا على القيام بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعا آباء وأمهات ومجتمع بما فيه من مؤسسات وجمعيات تجاه هذا الجيل فيما يرتبط بتربيتهم وبنائهم وإعدادهم إعدادا إسلاميا ليكونوا أنصارا للإسلام ولمبادئه وقيمه وقضاياه المصيرية و وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .


وفي الختام فإن أسرة تحرير مجلة فدك تقدم لكم الشكر الجزيل على توفير هذا الوقت الثمين من أجل إجراء هذا الحوار؛ ونرجو أن نكون موفقين في طرح أسئلتنا المتواضعة ، وأن نكون معكم تحت ظلال عرش ربنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.